منذ تأسيسها في عام 1948، كانت إسرائيل تحمل رؤية توسعية واضحة تتجاوز حدود الأرض التي أُعلن عليها قيامها.
ارتبطت هذه الرؤية بمفاهيم أيديولوجية واستراتيجية قائمة على الهيمنة الجغرافية والسياسية في المنطقة.
واليوم، تتجلى أحلام إسرائيل التوسعية في سياسات واضحة تهدف إلى تحقيق النفوذ والسيطرة بما يتجاوز حدود فلسطين التاريخية.
ترتكز الأحلام التوسعية الإسرائيلية على مفاهيم صهيونية قديمة مثل فكرة «إسرائيل الكبرى»، التي تمتد من نهر الفرات إلى نهر النيل وفق تفسيرات توراتية.
ورغم أن هذه الفكرة قد تبدو بعيدة عن التطبيق المباشر، إلا أنها ظلت حاضرة في الخطاب السياسي الإسرائيلي وفي السياسات التي تنتهجها الدولة.
تمثل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس المحتلة أحد أبرز ملامح التوسع الجغرافي.
تسعى إسرائيل من خلال هذه المستوطنات إلى فرض وقائع على الأرض تُصعّب أي تسوية سياسية قائمة على حل الدولتين.
تتوافق هذه السياسات مع إجراءات قمعية ضد الفلسطينيين، من تهجير قسري ومصادرة أراضٍ وتدمير ممتلكات، مما يُظهر أن الاستيطان ليس مجرد خطة سكنية بل استراتيجية توسعية ممنهجة.
لا تقتصر طموحات إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، بل تسعى لتحقيق نفوذ أكبر في المنطقة، من خلال ما يحدث في لبنان وسوريا.
يمكن ملاحظة ذلك في محاولاتها تطبيع العلاقات مع الدول العربية والإسلامية ضمن سياق «اتفاقيات أبراهام»، التي تتجاوز كونها اتفاقيات سلام لتصبح أداة لتعزيز النفوذ الاقتصادي والعسكري في العالم العربي.
كذلك، تبرز أطماع إسرائيل في استغلال الموارد الطبيعية، مثل المياه والنفط والغاز في شرق المتوسط.
النزاعات حول حقوق التنقيب في البحر تُظهر رغبة إسرائيل في الهيمنة الاقتصادية، مدعومة بتحالفات إقليمية ودولية.
تعتمد إسرائيل على أدوات متعددة لتحقيق طموحاتها:
* التفوق العسكري: تسعى إسرائيل إلى الحفاظ على تفوقها العسكري النوعي في المنطقة، مدعومة بدعم أمريكي ودولي، مما يمنحها حرية التحرك ضد أي تهديد محتمل.
* التأثير السياسي والدبلوماسي: من خلال بناء علاقات قوية مع القوى الكبرى وتحقيق اختراقات دبلوماسية في العالم العربي.
* التلاعب بالصراعات الداخلية: تعمل إسرائيل على استغلال الانقسامات الداخلية في الدول العربية لإضعافها وضمان بقائها القوة المهيمنة في المنطقة.
رغم النجاحات التي حققتها إسرائيل في ترسيخ وجودها ونفوذها، تواجه هذه الأحلام عقبات كبيرة، بسبب وعي الشعوب العربية والإسلامية، وتصاعد المقاومة الفلسطينية، إلى جانب التحولات الجيوسياسية في العالم، قد تحدّ من قدرة إسرائيل على تحقيق طموحاتها التوسعية.
انتهاكات إسرائيل في غزة تعدت كل الحدود والقواعد الدولية، ولا يمكن التغاضي عن الانتهاكات المتكررة، والتي باتت تعدّ تجاوزاً صارخاً لكل القواعد والأعراف الدولية، سواء على مستوى القانون الإنساني الدولي أو حقوق الإنسان الأساسية.
تستمر إسرائيل في فرض حصار خانق على القطاع منذ أكثر من 17 عامًا، مما خلق أزمة إنسانية حادة شملت نقصًا في الغذاء والدواء والوقود، وتدمير البنية التحتية الأساسية. الحصار لا يقتصر فقط على تجويع السكان، بل يهدف إلى تقويض أي فرصة لحياة كريمة للشعب الفلسطيني، مما يعدّ شكلاً من أشكال العقاب الجماعي المحظور بموجب القانون الدولي.
إلى جانب الحصار، شهدت غزة عدوانًا عسكريًا متكررًا، آخرها الهجمات المدمرة التي أودت بحياة آلاف المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال. لم تكن المستشفيات ولا المدارس بمنأى عن القصف، في انتهاك واضح لاتفاقيات جنيف التي تفرض حماية المنشآت المدنية.
تأتي هذه الجرائم في ظل صمت دولي مريب، وفي بعض الأحيان دعم سياسي وعسكري مباشر من بعض القوى الكبرى لإسرائيل، مما يزيد من تعقيد الوضع. في المقابل، تقف المؤسسات الدولية عاجزة عن محاسبة إسرائيل أو حتى وقف هذه الانتهاكات.
لقد تجاوزت إسرائيل كل الحدود، مستخدمة ذرائع «الدفاع عن النفس» لتبرير أعمالها العدوانية، متجاهلة الواقع المتمثل في كون غزة أرضًا محتلة تعيش تحت سطوة الاحتلال.
باختصار.. تبقى الأحلام التوسعية الإسرائيلية تهديدًا مستمرًا للمنطقة. التصدي لهذه الطموحات يتطلب وحدة الصف العربي والإسلامي، وإعادة بناء استراتيجية شاملة تعزز الصمود والمقاومة، ليس فقط ضد الاحتلال، بل ضد أي محاولات للهيمنة على مقدرات المنطقة وسيادتها.
ويقع على عاتق المجتمع الدولي، بمؤسساته ودوله، مسؤولية أخلاقية وقانونية لوقف هذه الجرائم ومحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها.
كما يجب دعم جهود الشعب الفلسطيني في تحقيق العدالة والحرية، وفق القرارات الدولية التي تنص على حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة.
إن الصمت المستمر يعني التواطؤ، ولا يمكن تحقيق السلام إلا بإنهاء الاحتلال ووقف العدوان.
غزة ليست مجرد رقم في نشرات الأخبار، بل هي عنوان لصمود شعب يطالب بأبسط حقوقه الإنسانية.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية