نون والقلم

د. عادل رضا يكتب: «الاستحمار» في خدمة الصهاينة؟ الواقع العربي والمستقبل 

يقول الإمام الخميني رحمه الله: «ما لم نتخلص من «التغرب» ونبدل منهجنا في التفكير، ومالم نعرف أنفسنا، فلن نستطيع ان نكون مستقلين، ولن نكون شيئا بالمرة» و«لقد أضاع الشرق هويته، وعليه ان يستعيدها». 

إن الصراع الدولي هو صراع قومي مصلحي وجزء من هكذا صراع يتحرك ضمن رافعات معرفية ثقافية اذا صح التعبير ودول العالم «المستقلة» كلهم يتحركون لمصالحهم «القومية» من هنا علينا كـ«عرب» ان يكون لدينا مشروعنا القومي الخاص بنا امام مشاريع الاخرين وان تكون لدينا رافعتنا المعرفية الثقافية كذلك، وبدون هكذا مشروع فأننا سنعيش التيه و الضياع و الحركة بدون بوصلة ومن غير خارطة طريق لأعادة دورنا الحضاري المطلوب منا ان نقوم به ضمن ثنائية عروبية إسلامية تصنع لنا شخصيتنا الذاتية امام الأجانب الغرباء عنا الذين يريدون استعبادنا سياسيا و ثقافيا و اقتصاديا. 

يقول الأستاذ صالح لطفي: «لا توجد أمة على هذه الأرض استمرأت العبودية إلا وفقدت هويتها وذاتها وانتهى أمرها بعد حين وذابت فيمن تبعته وتغشته روحا ومعنى ومقابل ذلك ما من أمة نافحت عن ذاتها ورفضت العبودية أي كان نوعها ألا وكُتبت لها الحياة وشقت عباب واقعها المرُّ تمخر فيه ببطيء تارة وبسرعة تارة أخرى لا يثنيها عن ذلك صولة محتل أو فلسفات عبيدها  ممن شكلوا طابورا خامسا يسعى جاهدا بكل ما أوتي من حزم وقوة أن يحول أبناء شعبه ألي عبيد لكنَّ عقل أمته الجمعي يأبى ذلك ويرفضه فتعيش عدد سنين او قل عدد قرون وهي تناطح المحتل أو\و تناطح عملائه ألا أنها تخرج من تيهها». 

لا شك ان العمل على صناعة الوحدة العربية وإقامة خارطة طريق اليها هي اهم المواقف المبدأية لكي نعود للخط الحضاري النهضوي الشامل وأيضا العمل على صناعة ثقافة إسلامية حركية تقرأ النص القرأني وتجعله سيدا وحاكما على كل ما هو خرافة واساطير ومقولات وموروث مجتمعي وعادات وتقاليد وافكار «لا» علاقة لها في نصوص القران الكريم واحكامه. 

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  الأعراف 36 

 وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ المائدة 48 

 ليخرج القرآن الكريم من الحصار الذي تم فرضه عليه منذ ان تم غلق باب الاجتهاد و التفكير و النقاش مروا في فترة الظلام العثمانية الطورانية التركية التي منعت عن العرب العلم و التعليم و أغلقت علينا كل ما هو هواء حضاري وكل ما هو نهضة و فدمتنا لقمة سائغة امام الاستعباد الأوروبي و الأمريكي و الذي ساهم في صنع وخلق ما يسمى «إسرائيل» على ارضنا العربية كـ«قاعدة عسكرية امنية» تمثل الحركة الصهيونية الدولية على ارض فلسطين العربية المحتلة و هو مشروع يريد قتل العرب.. كل العرب و الغاء وجودهم و انشاء إسرائيل الكبرى على باقي ارضنا العربية التي تم تقسيمها ضمن مشروع سايس بيكو فعشنا ضعفا على ضعف متراكم. 

ان مشروع الوحدة العربية كـ«شعار» ومقولات وعواطف وخطابات ليست من الاهمية كما هي مهمة «الحركة التنفيذية التطبيقية» في طريق الوحدة العربية من خلال إقامة «إقليم القاعدة يمثل بداية مشروع للوحدة الشاملة» وخلق تشابك اداري تنظيمي لمؤسسات الوحدة والحركة العلمية المتواصلة لأنشاء دولة العرب الواحدة الموحدة على أراضينا. 

ان علينا ان نعرف اننا لسنا اول قومية تسعى لذلك ولن نكون اخر القوميات والمهم والأهم ان نلتزم في مبدأ الوحدة والسعي الى تحقيقها وصناعتها على ارض الواقع بعيدا عن الشعارات والعواطف كما ذكرنا بل ان نكون علميين واقعيين نحاول ان نعيش التجربة وان ننطلق اليها على ارض الواقع. 

ان الاستعباد الأوروبي والأمريكي يرفض الوحدة العربية ويحاربها ثقافيا وحركيا ويريد حصارها لأنها ضد مصالحه في السيطرة والتحكم، وهو يصنع مراكز ثقافية ومستثقفين عرب يهاجمونها ويحاربونها. 

  ان علينا ان نلاحظ وننتبه انه الاستعباد الأوروبي والاستعباد الأمريكي هم أساسا مشاريع وحدة قومية فالولايات المتحدة الامريكية صنعت وحدتها السياسية من خمسين دولة وإيطاليا والمانيا وبريطانيا كذلك كانوا متفرقين وتوحدوا، وهم يرفضون أي الغاء لوحدتهم القومية الحالية، ولكن في نفس الوقت يحاربون وحدة العرب القومية ويقدمون المخططات ضدها ويستقبلون اعدائها ويوظفون الحركات الاستحمارية ضدها نفس ما قاموا به مع حركة الاخوان المسلمين ضد مشروع جمال عبد الناصر. 

يقول المرحوم الدكتور سعدون حمادي: «ان العدو ذو نوايا شريرة تجاهنا، الا انه لا يعمل من دون تفكير، بل على العكس يستخدم العلم والتجربة المتراكمة الى اقصى الحدود ويمتد تفكيره الى الأمد الطويل. كما انه يحسن الإخراج والمخادعة ولذلك نراه ينفق موارد مالية وبشرية واسعة على مراكز البحوث والنشاط الثقافي، والعدو له موقف ظاهر وموقف غاطس، وسياساته المعلنة لها جذور غير منظورة، فله عالمان خفي مستتر واخر ظاهر معلن». 

 أقول ذلك للتأكيد على ان هذا العدو المفكر المجرب يعرف أمورا قد تغيب عن بعضنا نحن أصحاب العلاقة. فهو يعرف ان القومية العربية والإسلام لا يمكن ان ينفصلا، وان قوة العرب هي قوة الإسلام، ونهوض الإسلام نهوض للعرب، لذلك هو يعمل على اضعاف الإسلام واضعاف مادته: العرب، في حين ان البعض منا لم يتوصل الى هذا الفهم بعد، فتوهم ان القومية شيء والإسلام شيء اخر. 

ان استحمار الشعوب ليس مقتصرا على العرب كـ«قومية» بل يمتد لجميع دول العالم، صحيح اننا كـ«عرب» مستهدفين كذلك لأن مخطط الحركة الصهيونية العنصرية لأقامه ما يسمى بـ«إسرائيل الكبرى» هي تقع في نطاق مجموعة من الدول العربية وضمن جغرافيتها المباشرة وهي طامعة في أراضي العرب. 

وهذه الخرافة لـ«إسرائيل الكبرى» لو كانت «نظريا تقع» في ارض الاناضول او ارض الفرس على سبيل المثال لاستهدفوهم في نفس الطريقة التي يحاولون فيها ضرب العرب واستحمارهم. 

ان العرب مستهدفون في الوجود و البقاء و الديمومة و الحياة من الحركة الصهيونية العنصرية ليس فقط لأسباب قومية او لأننا فقط عرب , بل لأن اليهود من الأساس يعيشون الكراهية ضد كل من هم ليسوا يهود ,لأنهم في معتقداتهم الدينية يؤمنون و يعتقدون «ايمانيا» ان من هم «غير يهود» قد تم خلقهم لكي يخدموا «اليهود» و هذه هي معتقداتهم الدينية الأساسية و هذا الكلام ليس من الاسرار فهو مكتوب في كتبهم الدينية حيث يؤمنون ان الرب اختارهم و باقي البشرية ليسوا بشر «حقيقيين» و يعتبرون قريبين من الكلاب؟! و يطلقون عليهم لقب «الجوييم» و هذا «الجوييم» أي باقي البشرية من غير اليهود قد تم خلقهم لكي يخدموا اليهود سواء كانوا عرب او انجلوساكسون او صينيين…الخ من قوميات، و اذا وجد اليهودي فرصة لسرقة او إيذاء غير اليهودي فعليه اقتناصها لأن فيها اجر  له عند اله اليهود، و هذا الجوييم الغير يهودي بالنسبة لهم مستباح فلا اثم عليه اذا قتله او سرقه او اغتصب نسائه؟!. 

ان استهداف الصهاينة لنا كـ«عرب» محكوم في موقعنا الجغرافي، لذلك تركيز عملية استحمار العرب حسب مصلحة الحركة الصهيونية و هذا حسب مصلحة الصهاينة اليهود و رغبتهم في تأسيس خرافة «إسرائيل الكبرى» لذلك نلاحظ ان تركيز استحمارهم للعرب على الأمور الطائفية بينما تركيزهم أوروبيا و غربيا على أمور أخرى تتعلق في برمجة اللوطية مجتمعيا و على موضوع خلط الانساب و الأعراق و الترويج للتداخل العرق الأسود مع العرق الأبيض و تزوير التاريخ الأوربي إعلاميا من خلال وسائل الترفيه و التسلية من أفلام و مسلسلات حيث ادخال العرق الاسود في التاريخ الأوروبي كـ«ملوك» و«لوردات!» او قيادات نافذة مجتمعيا وضمن الدولة وهذا كله ضد حقائق التاريخ الأوروبي !؟  

وكذلك الغاء دور الاب وخلق مجتمعات مفتوحة من دون هوية او انتماء وتحويل البشر الى كائنات معزولة عن عائلاتها تتحرك في ماكينات العمل والوظيفة ودفع الضرائب كالألة الباردة الفاقدة للإحساس والشعور، تتحرك للخدمة الوظيفية لأنظمة الحلف الطاغوتي الربوي العالمي ومنظومات الحكم والسيطرة وشبكة الشركات العابرة للقارات وما يشملها من شبكات معقدة ماليا واقتصاديا تتحكم بها الحركة الصهيونية والتي تنتج وتراكم الفوائض المالية الداعمة الى الكيان الصهيوني المقام على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة. 

اذن الغرب كـ«أهمية» بالنسبة للحركة الصهيونية يختلف من حيث الأهمية عن أهمية الوطن العربي المنقسم الى دول ضعيفة تائهة حسب اتفاق الأجانب الغرباء عنا في معاهدة سايس بيكو، حيث تريد الحركة الصهيونية نشر الطائفية والعشائرية والقبلية والمناطقية للإلغاء إحساس العرب انهم عرب ولكي يتم تقديم الهويات الوراثية الدينية او الاجتماعية او المناطقية الضيقة على الهوية القومية العربية وهي الأساس والأصل وهي الهوية الجامعة ومن دونها يتفكك العرب الى شظايا طائفية ومناطقية وقبائلية وعشائر. 

  لذلك الصهاينة يريدون للعرب ان يفقدوا نظرتهم القومية لذاتهم كـ«عرب» فالتفكك الطائفي والقبلي والمناطقي يولد صراعات وبالتالي مشاكل مما سينتج ويسفر عن حروب وقتل وتصفيات واجرام وهذا ما حصل ويحصل في سوريا على سبيل المثال. 

اذن الاستحمار الصهيوني موجه لكل البشرية ولكن يختلف الاستحمار من هنا وهناك حسب الهدف الصهيوني لذلك تختلف الوسائل. 

ما العمل ضد الاستحمار الصهيوني والاستعباد الأجنبي الممارس علينا نحن العرب؟ 

 ليس لدينا حل الا ان نثبت على مواقفنا  وعلى مبادئنا و ان نتحرك على ارض الواقع لكي تتشكل المواقف و المبادئ في الحياة كأمور محسوسة ملموسة نراها رؤية العين ونعيشها واقعا كأفراد و شعوب عربية و ان تكون لدينا استمرارية في ذلك مهما كانت الصعوبات و ان نواصل التجارب و نتعلم من اخطائنا و ان ندرس سلبياتنا ونواجه الأخطاء في قراءات علمية تعيدنا لخارطة الطريق و على سكة القطار، و علينا ان «لا» نيأس و ان نعيش طول النفس والصبر و ان «لا» نعيش جلد الذات لنموت في احباط المرحلة بل ان نتفاؤل لكي نربح المستقبل فأي طريق للهدف قد يكون فيه انكسار لمرحلة وقد يكون أيضا فيه انتصار في مرحلة أخرى. 

 اذن علينا ان نشتغل على الالتزام في الموقف الذي ننطلق منه هو ثنائية صناعة الوحدة العربية وإعادة حاكمية القرآن الكريم على التخلف الديني والمجتمعي، وهذا هو واجب المفكرين المسئولين وأصحاب الكلمة الرسالية الحقيقة وواجب المتخصصين في الدين. 

صحيح ان هناك صعوبات في الخط والطريق، ولكن الاستمرار في التجزئة والفرقة العربية لم يصنع لنا الا المأساة واستمرارها فالتفرق العربي فشل في صناعة التنمية الحضارية الحقيقية وفشل في تحقيق الامن وانهار في الدفاع عن أراضينا العربية امام الحركة الصهيونية وتمت استباحة الوطن العربي امام المشاريع القومية الأخرى من حول العالم العربي ومن وراء البحار. 

ان علينا ان نواجه كـ«عرب» مشاكلنا بأنفسنا وان نؤمن في عروبتنا وفي امتنا وفي شعبنا العربي وفي ان الانتصار على الأجانب الغرباء سيأتي ما دمنا ملتزمين ثابتين في الموقف والمبدأ. 

وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ التوبة  105 

 طبيب استشاري باطنية وغدد صماء وسكري 

كاتب كويتي في الشئوون العربية والاسلامية 

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا 

 

        t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر  لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

أخبار ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى