شهدت الحرب السورية تحوّلات دراماتيكية أثارت العديد من التساؤلات حول طبيعة الدور الذي لعبته القيادة السورية في إدارة الأزمة، وحقيقة تفاعلها مع الجماعات المسلحة.
في ظل هذا المشهد المعقّد، ظهرت نظرية التواطؤ بين النظام السوري والجماعات المسلحة، بدعوى أن هناك تفاهمات خفية أو مصالح متبادلة مكّنت النظام من الحفاظ على نفوذه في مناطق معينة مقابل تسليم أخرى، حتى سلم البلاد كاملة.
على سبيل المثال، تُثار شكوك حول اتفاقيات غير معلنة أفضت إلى انسحاب النظام من بعض المناطق دون مقاومة تُذكر، كما حدث في الرقة التي تركها النظام لتنظيم داعش عام 2014، ما أثار تساؤلات حول أولويات الجيش السوري في تلك المرحلة، ومدى تنسيق غير مباشر قد يكون تم بين الطرفين لتسهيل السيطرة مقابل التركيز على جبهات أكثر أهمية للنظام.
ثارت تساؤلات عديدة بين المهتمين بالشأن السوري، حول أحداث الـ11 يوماً، التي أدت إلى تسليم سوريا لجماعات مسلحة بهذه البساطة، خاصة أن ما حدث في سوريا ليس ثورة بمفهوم الثورات، وإنما هو تسليم جيش نظامي تابع لنظام ديكتاتوري زمام البلاد لجماعة مسلحة، سوف تكشف الأيام المقبلة عن نواياها.
يبقى السؤال أين ذهب الجيش النظامي السوري؟ مع اندلاع الاحتجاجات في 2011، لعب الجيش السوري دوراً حاسماً في قمع المظاهرات، لكن مع تصاعد العنف، تحول الجيش إلى الانخراط في حرب استنزاف شاملة.
تعرّض الجيش لخسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، نتيجة لانشقاقات واسعة النطاق واستنزاف متواصل من قبل الجماعات المسلحة، علاوة على ذلك، اعتمد النظام على تشكيلات موازية مثل «الشبيحة» والميليشيات الإيرانية وحزب الله لتعويض النقص البشري والعسكري.
هذا التوجه أدى إلى تآكل قدرات الجيش النظامي التقليدي، وتحوله إلى مجرد طرف في تحالف أوسع يعتمد على الدعم الإيراني والروسي، وهو ما يعيد صياغة السؤال حول ما إذا كان النظام السوري قد تعمد إضعاف الجيش لصالح هذه القوى.
والآن، هل تمت اتفاقيات سرية لخروج الأسد سالماً؟ منذ بداية الأزمة، ظهرت تكهنات بأن الأسد لجأ إلى اتفاقيات سرية تحفظ له سلامته حال اضطراره لمغادرة السلطة.
ومع ذلك، فإن التطورات الميدانية والسياسية، خلال الفترة الماضية، أكدت أن الأسد اختار الاستمرار في السلطة بأي ثمن، مدعوماً بحلفاء أقوياء كإيران وروسيا، الذين ضمنا له الحماية السياسية والدبلوماسية، بل والعسكرية على الأرض، لوقت محدد.
رغم ذلك، لا يمكن استبعاد وجود اتصالات غير معلنة مع بعض القوى الدولية أو الإقليمية لضمان الحفاظ على حد أدنى من الاستقرار أو لتأمين خروج آمن بعدما تغيرت الظروف بشكل جذري.
باختصار.. الأزمة السورية كانت ولا تزال ساحة لتشابك المصالح الدولية والإقليمية، وبينما تبقى نظريات التواطؤ والاتفاقيات السرية مجالاً للتأويل، فإن الحقائق على الأرض تشير إلى وجود اتفاقيات وترتيبات سرية، بمشاركة تحالفات إقليمية ودولية، أدت لخروج بشار سالما وفتحت الطرق أمام الجماعات المسلحة لإحكام سيطرتها، والمنتصر الوحيد على أرض الواقع الآن بعد فرحة العائدين لمنازلهم، هي إسرائيل التي تحتل كل يوم أرض جديدة منتهكة السيادة السورية بل والعروبة جمعاء.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية