حتى لا يشبه اليوم البارحة. ونظل ندور في حلقة مفرغة، من الأهمية بمكان أن نسأل ما إذا كان هذا الاتفاق بوقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل سوف يدوم.
في عام 2006، خاض حزب الله وإسرائيل قتالاً شرساً لأكثر من شهر لأسباب لا تختلف كثيراً عن سياق اليوم. فمن خلال تنفيذ غارة عبر الحدود ضد القوات الإسرائيلية، سعى حزب الله إلى تخفيف بعض الضغوط على حماس، التي كانت تقاتل إسرائيل في غزة.
ولكن العملية أتت بنتائج عكسية، فأشعلت فتيل صراع مدمر أدى إلى مقتل نحو 1100 لبناني و160 إسرائيلياً، وتشريد أعداد هائلة من السكان وإلحاق الضرر بالبنية الأساسية في جنوب لبنان.
وفي الداخل، تعرض حزب الله لانتقادات شديدة من قِبَل أغلب أفراد المجتمع اللبناني بسبب قراره الأحادي الجانب، ولكن كما هي الحال دائماً، أفلت من المساءلة بفضل بنادقه.
في ذلك الوقت، أدى مزيج من التعب العسكري، والافتقار إلى استراتيجية للخروج، والضغوط الدولية بقيادة الولايات المتحدة، إلى إنهاء الأعمال العدائية بين إسرائيل وحزب الله في 14 أغسطس 2006. ولكن لم يتم وضع خطة محكمة لمنع اندلاع القتال مرة أخرى.
لقد دعا قرار الأمم المتحدة رقم 1701 إلى اتخاذ كل الإجراءات الصحيحة: نشر القوات اللبنانية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان، وانسحاب الجيش الإسرائيلي وحزب الله من تلك المنطقة ونزع سلاح حزب الله ـ ولكن أياً من هذه الإجراءات لم يتحقق تقريباً. فقد انتهكت إسرائيل السيادة والمجال الجوي اللبنانيين بشكل منتظم؛ وسرعان ما أعاد حزب الله تسليح نفسه وبنى بنية تحتية عسكرية واسعة النطاق في جنوب لبنان؛ ولم يتم نشر الجيش اللبناني قط؛ ولم تُمنح قوات الأمم المتحدة سوى تفويض رمزي.
من حيث المبدأ، لا يختلف وقف إطلاق النار الحالي بشكل كبير عن القرار 1701. ومن المتوقع أن ينسحب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان مع سحب حزب الله لمقاتليه وأسلحته من منطقة الحدود إلى مسافة عشرين ميلاً تقريباً إلى الشمال من نهر الليطاني.
وسوف يعقب ذلك هدنة مدتها ستون يوماً، وخلال هذه الفترة سوف ينشر الجيش اللبناني خمسة آلاف جندي على الحدود وينضم إلى قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وخلال هذه المرحلة الانتقالية سوف يتفاوض لبنان وإسرائيل، بمساعدة دولية، على القضية الحيوية المتمثلة في ترسيم الحدود البرية بهدف إزالة مصدر مهم للاحتكاك بينهما.
إن هذا يبدو وكأنه حدث من قبل، أليس كذلك؟ فحزب الله ليس منزوع السلاح، وهو ما يجعله يحتفظ بقدرة قتالية كافية لإيذاء إسرائيل ومنع سكانها في الشمال من العودة إلى ديارهم ــ وهو الهدف الرئيسي للحكومة الإسرائيلية؛ كما تتمتع إسرائيل بالضوء الأخضر من الولايات المتحدة لمهاجمة الجماعة كلما رأت ذلك ضرورياً؛ وليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت أدوار الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة ستكون أكثر فعالية هذه المرة.
وسوف يشير البعض إلى حقيقة مفادها أن آلية مراقبة جديدة وأكثر قوة، حيث تعمل الولايات المتحدة وفرنسا كحكمين، من شأنها أن تجعل العودة إلى استخدام الأسلحة بين إسرائيل وحزب الله أقل احتمالاً. ومن الممكن أن تكون مثل هذه القوة الدبلوماسية الداعمة للاتفاق مفيدة، ولكنني لا أعتقد أنها ستكون عاملاً حاسماً أو تحويلياً.
إن البنية الدبلوماسية المعززة التي نشأ عنها القرار 1701 ليست السبب الحقيقي وراء الاختلاف الذي طرأ على الأمور هذه المرة. بل إن البيئة الاستراتيجية برمتها تغيرت إلى حد كبير، وكان هذا التغيير في صالح إسرائيل إلى حد كبير، وذلك بفضل آلتها العسكرية التي لا تعرف الكلل والدعم الأميركي غير المشروط تقريباً. فلم يسبق لإسرائيل أن استخدمت قوتها العسكرية على هذا النحو من قبل، ولم تقدم لها واشنطن مثل هذا الدعم غير المشروط.
ولن يعترف حزب الله وحليفته إيران بذلك مطلقاً، ولكنهما تعرضا لنكسة استراتيجية. وكان هدفهما هو ربط كل ساحات المعارك الإقليمية التي تتمتع إيران بنفوذ فيها من أجل استنزاف إسرائيل وإغراقها. ولكن إسرائيل نجحت في منع هذا الهدف، بنجاح كبير، من خلال استخدام القوة الغاشمة.
حتى وقت قريب للغاية، كان شرط حزب الله لوقف هجماته هو أن تنهي إسرائيل حملتها ضد حماس. ولكن بموافقته على شروط وقف إطلاق النار، التي تفصل بوضوح لبنان عن غزة، تخلى حزب الله عن حماس في الأساس ومعه مفهوم الترابط الاستراتيجي، على الأقل في الوقت الحالي.
ولم يتوصل حزب الله إلى هذا الاستنتاج بمفرده. فقد رأت إيران كيف كان حليفها يتعرض للضرب على يد إسرائيل، فقامت، مثل ملاكم جيد في مباراة ملاكمة، بإلقاء المنشفة في الحلبة لمنع ملاكمها من التعرض للسحق.
بطبيعة الحال، لا يعني أي من هذا أن إسرائيل حققت نصراً دائماً، أو أن إيران لن تجد وسيلة لإعادة تأهيل شبكتها الإقليمية من الميليشيات. ولكن هذه المرة، ونظراً لحجم الضرر الجسدي والنفسي الذي ألحقته إسرائيل بخصومها، فإن الأمر سيستغرق وقتاً أطول كثيراً من ذي قبل. ويتعين على إيران التي تخشى المخاطرة أيضاً أن تفكر مرتين في الكيفية التي قد تتفاعل بها إسرائيل مع محاولة إحياء استراتيجيتها الإقليمية.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية