نون والقلم

رضا هلال يكتب: بأي حالٍ عُدتَ يا عيد؟!

لا أدري، أأجاري الناس في عباراتهم المعتادة: «كل عام وأنتم بخير»، أم أتماهى مع صرخة المتنبي التي سبقتنا بقرون: «بأي حالٍ عدتَ يا عيد؟»

فالواقع يشي بأن الخير بعيد، والعيد حزين، والقلوب دامية، والدماء الفلسطينية الزكية لم تجف بعد في غزة، بل لا تزال تنزف، ويتناثر الضحايا على الأرصفة والأنقاض، بين طفل وامرأة وشيخ، بلا ذنب سوى أنهم صمدوا في أرضهم، ورفضوا أن يبيعوا دمهم بثمن بخس.

جاء العيد، لكنه جاء مثقلاً بكل وجعنا، ملبّدًا بالغصة، مشوشًا بالبكاء، حتى أن فرحة الأطفال – إن وجدت – جاءت مبتورة، محاطة بهالة من الأسى لا تخفى على أحد.

أي عيدٍ هذا الذي نحتفل فيه على وقع المجازر؟ أي عيدٍ نلبس فيه الجديد، وأطفال غزة لا يملكون حتى الكفن؟

ثم إن العيد لم يكتفِ بجراح غزة – وكأنها لا تكفي – بل جاء في وقتٍ المسلمون فيه أكثر تشرذمًا من أي وقت مضى. فلا اتفاق على رؤية هلال، ولا اتفاق على كلمة، ولا اجتماع على موقف، ولا حتى رغبة جادة في التوحد أو التعاون.

صار العيد في بعض البلاد فرجةً وطنية أكثر من كونه شعيرة دينية، وصار إعلان العيد قرارًا سياديًا لا علاقة له بالفقه ولا الفلك، وكأننا بحاجة لتذكير أنفسنا في كل مناسبة أننا أمة متنازعة على كل شيء… حتى على القمر.

وهل يُعقل أن ننتظر اتفاقًا على عيد، ونحن لا نتفق حتى على من هو العدو ومن هو الصديق؟

نختلف في القضايا الكبرى والصغرى، ونستسهل خيانة القضية، ونلبس ثوب «الحياد» في زمنٍ الصمت فيه خيانة، والتطبيع فيه وصمة، والخذلان فيه سلوك دول.

في ظل كل ذلك، لم تعد عبارة «كل عام وأنتم بخير» صادقة كما نحب أن نرددها.

فالعام ليس بخير، والأحوال ليست بخير، والعيد ليس كما يجب أن يكون.

لذلك، فلتكن تهنئتنا أكثر واقعية، وأكثر صدقًا، ولتكن: تقبّل الله طاعتكم، وجبر كسركم، وثبّت أقدامكم، ونصر مظلومكم، وأذهب عن أمتنا الغمّة، وردّ لها وحدتها وهيبتها وكرامتها.

إننا لا ندعو إلى اليأس، ولا نهوى جلد الذات، ولكننا ندعو إلى صدق النظرة، وواقعية التقييم، دون تجميل زائف للواقع.

ندعو إلى أن نستغل كل مناسبة، وكل عيد، وكل منبر، لنذكّر أنفسنا وأمتنا بأننا لسنا بخير، وأن ما نحتاجه ليس فقط عيدًا للفرح، بل نهضة للكرامة، وإفاقة من الغفلة، وإرادة جماعية للخروج من حالة التيه.

ليكن عيدنا هذا بداية سؤال صادق: ما الذي يمكن أن نقدمه – ولو بالكلمة – في زمنٍ عزّ فيه الفعل، وندر فيه الصدق؟

ما الذي يمكن أن نغرسه في وعينا ووعي أطفالنا حتى لا يعتادوا على أن العيد يأتي والدماء تسيل، كأن الأمر طبيعي؟

ما الذي نقدر عليه اليوم، لنصلح به شيئًا مما فسد، أو نواسي به قلوبًا أضناها الحزن؟

قد لا نملك سلطة، ولا قرارًا، ولا جيشًا، لكننا نملك الكلمة، والدعاء، والنية الصادقة، والعمل الصغير الذي إن تكرر صار عظيمًا.

فلتكن أيام العيد فرصة لمراجعة الذات، ولتجديد العهد مع الله أن نكون من العاملين للحق، الساعين لنهضة هذه الأمة، لا من المتفرجين على خيبتها.

ولعل في دعاء العيد، رجاءً خافتًا يقول: يا رب، لا نملك إلا قلوبنا، فأصلحها، ولا نملك إلا ألسنتنا، فسدّدها، ولا نملك إلا نيتنا، فطهّرها، وأنت تعلم أننا نحب دينك وأمتك… فارزقنا فضل النصرة، ولو بسطر، أو فكرة، أو دمعة.

redahelal@gmail.com

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى