دوشة فنية

حنان ابو الضياء تكتب: الرعب على طريقة «ساندرا بولوك» في «Bird Box»

 الظواهر الخفية كانت الخلفية التي أرادت من خلالها ساندرا بولوك الدخول إلى عالم أفلام الرعب؛ من خلال نص أدبي لتنضم بذلك إلى سلسلة من الأفلام عن الظواهر الغربية مثل الطيور لهيتشكوك؛ وأفلام نهاية العالم ومنها Dawn of the Dead إخراج «زاك سنايدر»؛ وWeeks Later من إخراج «خوان كارلوس فريساندلو»، وفيلم  The Roadبطولة «فيجو مورتينسن».

 وبعد عشر سنوات من فيلم« The Happening» من إخراج إم. نايت شيامالان وبطولة مارك والبيرجوزوي ومحاولة مدرس الهروب مع زوجته وطفلة من كارثة أصابت العالم؛ و يدور الفيلم عن ظاهرة غامضة تتسبب في جعل الناس يقتلون أنفسهم بأبشع الطرق المتوفرة وأسرعها بدون أي تفسير واضح يقف خلف هذا الجنون؛ وهى نفس التيمة التي نراها في أحد أفلام 2018 Bird Box  المأخوذ عن رواية «صندوق طير» للكاتب الأمريكي جوش ماليرمان .

وفى الحقيقة أنني أرى أن تلك الرواية مأخوذة عن رواية العمى التي كتبها البرتغالي جوزيه ساراماجو، وتعتبر من أبرز أعماله الأدبية؛ وتدور الرواية عن وباء غامض يصيب إحدى المدن، حيث يصاب أهل هذه المدينة بالعمى فجأة، مما يخلق موجة من الذعر والفوضى العارمة التي تؤدي إلى تدخل الجيش من أجل السيطرة على الأوضاع، ولكن الوضع يزداد مأساوية حين يتخلى الجيش على الحشود العاجزة والواهنة، مما يؤدي ذلك إلى سيطرة العصابات على ما تبقى من طعام ودواء، ويبدأ الناس في الاقتتال فيما بينهم، وتلقى القصة الضوء أيضاً على الجانب الإنساني المتمثل في الطبيب وزوجته اللذين بقيا متماسكين حتى اندثار المرض فجأة كما ظهر.

وهذا المحتوى الفكري لرواية العمى لجوزيه ساراماجو هي أحد خطوط فيلم الممثلة الأميركية ساندرا بولوك، إلى جانب أن هناك أيضا قصة سيتفن كينج، «الضباب» The Mist والتي لا تختلف كثيرا عن قاعدة الرعب المحفوف بالنهايات غير المتوقعة والمخاوف البشرية منه؛ فالأحداث في بلدة أميركية صغيرة، تضربها عاصفة شديدة ليلاً، لتستيقظ صباحاً على اقتراب ضباب شديد الكثافة منها بشكل لم تعهده من قبل، وفيما كان بطل القصة ديفيد بصحبة ابنه وجاره في السوبر ماركت، في ظلّ زحمة المواطنين الهارعين لشراء مستلزماتهم للاستعداد للجولة المقبلة من العواصف.

يصل الضباب فجأة، ومعه صوت رجل صارخ مدمّي يظهر فجأة هارباً منه ليقول «هناك شيء ما في الضباب!»؛ ولقد حولت تلك الرواية إلى فيلم ومسلسل أنتجته أيضا نيتفليكس؛ ومع ذلك يظل فيلم « Bird Box » له أهميته لكونه بطولة ساندرا بولوك ذات الطلة  الرومانسية الكوميدية دوما، والحائزة على جائزة الأوسكار .

 ولكنها قررت مفاجأة الجميع بدور امرأة تحارب من أجل البقاء محاولة باستماتة إبقاء طفليها بأمان من خطر غير مرئي يدفع الناس للانتحار بعد أصابتهم بنوع من العمى يجعلهم لا يرون سوى مجهول؛ الطريف أن ساندرا ترى أنها ليست من محبي أفلام الرعب ولكنها استمتعت بإضافة هذا النوع السينمائي إلى مسيرتها الفنية؛ وخاصة أن تلك الرحلة المرعبة في النهر لم تكن لتحدث من دون قصة الحب العميقة المركبة والمليئة بالتفاصيل عن الأسرة، والرسالة الاجتماعية بشأن ما نشعر جميعا نحو العالم.

أما رواية جوش ماليرمان المأخوذ عنها الفيلم فصدرت عام 2014  حيث  تأخذ البطلة طفليها في رحلة مليئة بالرعب  في البرية، بأعين معصوبة، في محاولة للهرب من شر غير مرئي رؤيته تعنى النهاية.

الفيلم من إنتاج شبكة نتفليكس، وإخراج المخرجة الدنمركية سوزان بيير،الحاصلة على أوسكار أفضل فيلم أجنبي عن فيلمها الرائع في حفل الأوسكار الأخير  ومن أهم أفلامها قلوب مفتوحة؛  2002 بعد الزفاف 2006 ويشارك بولوك في بطولته الممثلة سارة بولوسون والممثل جون مالكوفيتش …

وفيلم« Bird Box»، من نوعية الأعمال المثيرة صاحبة الميزانية القليلة لكون رعبه معتمد على فكرة الظاهرة المميتة التي تجعل الناس يفقدون عقولهم ؛ في فيلم« Bird Box»، لا نرى هذا الشيء المرعب ولكن نشاهد رد الفعل عليه  فقط ، بإصابة الجميع بهلع بشكل متغير وينتهي به الأمر إلى الانتحار؛ مع استعراض تحوله إلى وباء يجتاح العالم ويقضى عليه في غضون أيام، الفيلم مبنى على شيء غامض قادم لا تستوعبه عقولنا ولا يمكن مقاومته بحيث أننا لا نستطيع مساعدة أنفسنا بطريقة ما، فنفقد السيطرة ونستسلم للموت.

ومشهد ما قبل البداية في صندوق الطيور مع (ساندرا بولوك) وهى تعنف الطفلين البالغين من العمر 5 سنوات حتى يستمعا إلى كلامها ليظلوا على قيد الحياة ثم يعود الفيلم للوراء لبداية المأساة ليسير الخطين في توازى إلى اليوم الذي اندلع فيه الوباء، حيث نشاهدها ترسم وهى حامل  ولا تبالي بما يحدث في العالم الخارجي؛ إلى أن تجئ لها أختها وتخبرها بانتشار وباء في العالم لتفتح التليفزيون لترى حالة من الجنون تؤدى بالأشخاص إلى الانتحار ولكن هذا لا يصيبها بالهلع لأنه يحدث في روسيا؛ ولكن ما هي إلى سويعات قليلة  لينتقل الوباء الغامض إلى أمريكا لتصاب بالهلع بعد أن فقدت أختها بسببه فتجرى في الشوارع محاولة إنقاذ نفسها إلى أن تجتمع هي وثمانية ناجين آخرين في منزل يملكه دوجلاس (جون مالكوفيتش)؛ بدون تفسير لكيفية وصولهم إلى هناك يتفق تمامًا مع إستراتيجية الفيلم؛ وبعد ذلك اختفى اثنين من هذه الشخصيات؛ وتنضم إلى الشخصيات سيدة حامل؛ ستظهر الأحداث أنها أم  الطفلة الموجودة مع ساندرا في القارب وهو ما يفسر حالة التفرقة التي تبدو من ساندرا بين الطفل والطفلة؛ مع مرور الوقت ينفذ الطعام ليكون مبررا لمزيد من الرعب بخروج مجموعة منهم من بينهم ساندرا في سيارة جيب ذات نوافذ معتمة، يتجولون في الشوارع المليئة بالجثث والقيادة تتم في السيارة فقط بنظام تحديد المواقع ومستشعرات القرب كدليل،مما يزيد الأمر تعقيدا .

 وفى السوبر ماركت يفقدون أحدهم ويعلمون أن هناك أشخاص يحاولون القضاء على من تبقى في العالم؛ وتجد ساندرا صندوق الطيور المأخوذ منه أسم الرواية فتقرر الحفاظ على الطيور على قيد الحياة والذي يستمر من خلال الأحداث لمدة 5سنوات؛ نعرف هذا الزمن من خلال عمر الطفلين؛ ولأهمية الطيور لديها تضعها مع الطفلين في زورق التجديف الذي يسير في النهر المخيف بأصواته والخطر بمنحدراته لمدة يومين؛ حيث نشاهد بالتوازي تلك الرحلة أحدث فقد كل شخصية في المنزل والذي لا يبقي منهم سوى موري وأدم بعد سماحهم لشخص بدخول البيت؛ ونكتشف بعد ذلك أنه أحد الأشخاص الغامضين الذين جاءوا للقضاء على المتبقين من العالم .

هناك مشاهد إنسانية بين ساندرا والمرأة الحامل تعدها فيها بإنقاذ رضيعتها وهذا ما جعلها في النهاية تتراجع عن فكرة التضحية بالطفلة في مشهد منحدرات المياه  ولا تجعلها ترفع عصبة أعينها ليروا الطريق .

إلى جانب قصة الحب التي نشأت مع أدم الذي ضحى بنفسه في النهاية حتى تتمكن هي والطفلين من الهروب عبر النهر، وتستمر الرحلة في النهر لمدة يومين بينما القصة الموازية مدتها 5سنوات؛ وهذا الأمر يحسب للمخرجة الدنماركية فقد نقلتنا بين الزمنين ببراعة  لتصل في نهاية الأمر ساندرا مع الطفلين حيث مكان يعيش ما تبقى فيه من بشر العالم؛ لتطلق سراح الطيور وتعطى للطفلين اسمين بعدما كانت تناديهما من بقبل بالولد والبنت؛ ويظهر أنها أصبحت أم حقيقية للطفلين دون تفرقة بعدما تعلمت معنى الحب والتضحية من أدم .

للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى