دوشة فنية

حنان ابو الضياء تكتب: «آدم».. وعالم المسكوت عنه في السينما العربية

عندما يقترب فيلم عربي من تابوهات المحرمات في عالمنا العربي؛ فإنه يدخل لا محالة عالم المسكوت عنه؛ وهو محملا بقدر من الترقب والانتظار؛ فيما يقدمه من طرح؛  لذلك  كان  متوقعا للجميع فوز الفيلم المغربي «آدم» بجوائز عدة في المهرجانات التي عرض بها ومنها  مؤخرا مهرجان الجونة في دورته الثالثة والذي شارك في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة.

فأقصوصته بسيطة للغاية؛ ولكنها تقترب من المناطق الشائكة لدينا؛ فنحن هنا أمام قصة فتاة ريفية حامل ابتعدت عن أهلها عازمة التخلص من مولودها فور مولده ؛ وبذلك هي أمام أطروحة قضيّة الأمهات العازِبات في المغرب فشخصية سامية (نسرين الراضي) بالفيلم  دخلت في علاقة جنسية خارِج نطاق الزواج نجمَ عنها حملٌ .

الأحداث الحقيقة للفيلم تبدأ عندما تلتقي سامية بعبلة (لبنى أزابال) الأرملة التي تُربّي ابنتها الوحيدة بعد وفاة زوجها في حادث سير. بالبداية ترفضُ عبلة في استقبال سامية؛ والعمل معها  ولكنها تستضيفها عندما تراها تنام بالشارع؛ ويستمر الحدث بتفاصيل لإظهار طبيعة المشكلة والتكوينة الشخصية لبطلتي الفيلم إلى أن نصل لبداية العلاقة الإنسانية المتبادلة بين الاثنين عندما تبدأ سامية في العمل مع عبلة؛ وتجاوز ذلك آلة مرحلة مساعدتها في تخطّي محنة وفاة زوجها؛ ولكن يعود الأمر أكثر اشتعالا لكن دون أن نراها بشكل مباشر عند إنجاب سامية لابنها «غير الشرعي» وقرارها التخلّي عنه  برفض أرضاعه أو الاقتراب منه؛على الرغمِ من رفض عبلة لهذا القرار جملةً وتفصيلًا؛ وفى النهاية تحن سامية إلى أمومتها وتُقرر رعاية ابنها الذي ستُطلق عليهِ لاحقًا اسم آدم .

المخرجة مريم التوزاني

نحن في هذا العمل أمام التجربة الأولى للمخرجة مريم التوزاني المعتمدة في أسلوب سردها للأحداث على قصة حقيقية لأم عزباء كانت تلتقيها دوريًا عند عودتها من الجامعة؛ وبالتالي فقصة الفيلم مماثلة للتجربة الشخصية التي مرّت منها تلك الأم العزباء بكل آلامها؛ وهذا ما أعطى للفيلم حمميته.

ولعل اختيار أن يكون المشاهد الأولى للممثلة نسرين الراضي تطرق أبواب منازل أحد الأحياء الشعبية في الدار البيضاء طلبا للعمل. ورفض الجميع فتح أبواب منزله في وجهها. لتجد نفسها تفترش الشارع أمام منزل عبلة، بمثابة التحضير للعلاقة التي ستجمعها مع  عبلة « لبنى أزابال» تلك المرأة التي يمزقها الحزن منذ وفاة زوجها، ولا تعرف الابتسامة طريقها إليها ليكون الاتفاق منطقيا لثلاثة أيام وتطالبها بعد انقضائها بمغادرة البيت. ولكنها تتراجع عن ذلك بضغط من طفلتها الوحيدة؛ وهذا تفسير منطقي لتطور العلاقة؛  ليجعل من عودة سامية إلى البيت بسبب ابنة عبلة فرصة لتواصل حياة هذه الأسرة اليومية بشكل طبيعي؛ إلى أن تضع سامية وليدها؛ لتطرح المخرجة قضية العبء الأخلاقي  المتمثل في الطفل الذي تريد التخلص منه.

فيلم ادم

ولكن بالطبع إحساس الأمومة ينتصر. لتستكمل إشكالية الأمهات العازبات في المغرب والذي عادة ما تدفع المرأة ضريبته بعد تنصل الرجل من مسؤولياته. ورغم أنها التجربة الأولى للمخرجة إلا أن العمل حمل مقومات الصناعة السينمائية؛ وخاصة في ظل وجود ممثلة مثل لبنى أزابال الممثلة البلچيكية ذات الأصول المغربية  فهي ابنة لأب مغربي وأم إسبانية، مثلت في عدة أفلام عربية وفرنسية أبرزها فيلم «الجنة الآن».

ومشاركة نسرين الراضي الممثلة المغربيّة. التي شاركت في بعض الأفلام الثانويّة كما ظهرت على خشبة المسرح مؤديةً بعض الأدوار المسرحيّة في المغرب قبل أن تنتقل لكل من فرنسا وإيطاليا للمشاركة في عددٍ من الورشات والأعمال ذات الصلة المُباشرة بالسينما والتمثيل. وحتى عام 2014 كانت نسرين قد ظهرت في حوالي 22 فيلمًا قصيرًا إلى جانبِ ثلاثة أفلام تلفزيونية وفيلمين مطولين وكذلك ثلاث مسلسلات لكنّ المُشاهِد المغربي تعرّف عليها حينما لعبت دور كريمة في مسلسل زينة للمخرج ياسين فنان كما ظهرت في نفسِ العام في مسلسل صدى الجدران الذي عُرض على قناة الأولى.

مشهد من فيلم ادم

زادت شهرة نسرين بعدما صارت تُشارك بشكلٍ دوري في عددٍ من الأعمال التلفزيّونية التي تُعرض على القنوات المحليّة المغربية حيثُ ظهرت في عام 2015 في مسلسل «مقطوع من شجرة» الذي عُرض على قناة دوزيم كما صوّرت في نفس العام فيلم «حياة» الذي حاولَ معالجة إشكالية الوجود الإنساني في صراعه مع ذاته ومع الآخر. ظهرت في العام التالي في المسلسل الرمضاني «دار الغزلان» حيثُ جسّدت دور زينب. في عام 2018؛ حصلت نسرين على دور البطولة في فيلم «الجاهليّة» لمخرجه هشام العسري قبلَ أن تظهر من جديدٍ في عام 2019 في السلسلة الرمضانية «الماضي لا يموت» إلى جانبِ بطولتها في فيلم «آدم» الذي يحكي قصّة الأمهات العازبات في المغرب والذي نافسَ على جائزة نظرة ما في مهرجان كان السينمائي.

يُعرف عن نسرين الراضي جرأتها في معالجة قضايا المجتمع ففي تصريحٍ لها معَ أحد المواقع الإلكترونية ردّت نسرين حول سؤالٍ يتعلّق بلعب أدوار الإغراء أو العري بالقولِ: «نعم أقبل … ليست لي خطوط حمراء، إذا اقتنعت بالدور والسيناريو وكذلك إذا كانت ثقتي كبيرة في المخرج؛ فهذه العوامل كلها تجعلني أقبل بالدور.» وفي معرضِ ردها حول استخدام «عبارات خادشة للحياء» قالت نسرين: «نحنُ شعب لا نحب الصراحة ويعجبنا النفاق … إذا كنا جميعا نسمي الأشياء بمسمياتها فلِم نخجل من عضو ينتمي لأجسامنا؟

أما المخرجة مريم التوزاني فهي ممثلة ومخرجة وكاتبة سيناريو مغربية، من مواليد سنة 1980 بمدينة طنجة. وهي زوجة المخرج المغربي نبيل عيوش، في عام 2011، أخرجت فيلمها القصير الأول (Quand ils dormant).وفي عام 2014، قامت بتصوير فيلم وثائقي بعنوان (Ma Vieille Peau / Much Loved)  عن الدعارة في المغرب. وهو الذي شكّل أرضية للفيلم المثير للجدل «الزين اللي فيك» الذي صدر سنة 2015 من إخراج نبيل عيوش. وسنة 2015، أصدرت فيلمها القصير الثاني «آية والبحر»، الذي يتطرق لموضوع استغلال الأطفال الصغار كخادمات منازل. ومثّلت لأول مرة في فيلم «غزية» الذي صدر في عام 2017، وشاركت في السيناريو مع مخرجه نبيل عيوش.

وفى النهاية يبدو أن فيلم «أدم» تأكيد على أن السينما المغربية مصرة في منطقة المسكوت عنها .

للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى