- أهم الأخبارنون والقلم

إسلام شفيق يكتب: المناطق الحرة بين قوة الإرادة وعبقرية الإدارة

تعتبر المناطق الحرة محرك النمو الأكبر لاقتصادات الدول الناشئة، وتساهم بنحو 30% من حركة التجارة العالمية. ووفقًا لتقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية المعروف اختصارًا بـ«أونكتا »- UNCTAD -وهي منظمةٌ دوليةٌ تساعد على إيجاد بيئةٍ ملائمةٍ تسمح باندماج الدول النامية في الاقتصاد العالمي- هناك الآن أكثر من 4800 منطقةٍ اقتصاديةٍ خاصة تنتشر في 80% من دول العالم، ويعمل فيها نحو 66 مليون موظف وتحقق ما قيمته 500 مليار دولار سنويًا من القيمة المضافة إلى الأنشطة المرتبطة بالتجارة.

وتحتل منطقة الشرق الأوسط الترتيب الرابع من حيث عدد المناطق الحرة المتواجدة فيها بعد قارة آسيا التي تحتل المركز الأول تليها منطقة أمريكا الشمالية ثم أمريكا الجنوبية.

وتضم منطقة الشرق الأوسط 160 منطقةً حرة بنسبة 7.3% من المناطق الحرة في العالم. ووفقًا لتقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات «ضمان» هناك 123 منطقةً حرةً في 19 دولة عربية تتصدرها الإمارات العربية المتحدة برصيد 45 منطقةً حرة، تحظى إمارة دبي بنصيب الأسد منها، وتأتي مصر في الترتيب الثاني برصيد 10 مناطق حرة. 

ووفقًا لتقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تبلغ قيمة الصادرات السنوية من البضائع حول العالم 15.4 تريليون دولار، تستحوذ المناطق الحرة على 22.6% منها، وتحظى المناطق الحرة في قارة آسيا بنصيب الأسد حيث تبلغ قيمة البضائع التي تقوم بمناولتها 2.4 تريليون دولار، بينما تستأثر المناطق الحرة في الشرق الأوسط بما قيمته 522 مليار دولار.

وتُعرَّف مناطق التجارة الحرة بأنها مساحة من الأرض تقع داخل حدود الدولة الجغرافية، لكنها خارج حدودها الجمركية، وهي مناطق تقل فيها المعوقات التجارية مثل: رسوم المرور والبيروقراطية المفروضة على حركة التجَّار، وتهدف إلى تشجيع الأعمال الجديدة وجذب الاستثمارات الأجنبية.

وتتنافس المناطق الحرة فيما بينها من حيث رسوم التسجيل والوثائق المطلوبة ورسوم التراخيص والفترة الزمنية للرخصة والموقع والقرب من المدينة، ومعايير أخرى تتعلق بالخدمات ونمط الحياة والقرب من المطارات والموانئ، وتكلفة الاستثمار، مثل: الضرائب والمرافق وأسعار إيجارات المكاتب والمستودعات والأراضي، وغيرها من المعايير.

وتتمثل أهم الفوائد التي تجنيها الدول من المناطق الحرة في زيادة حصيلة النقد الأجنبي وزيادة صادراتها إلى الخارج، وتخفيض العجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات بجانب استقدام التكنولوجيا المتطورة وتدريب العمالة الوطنية عليها والاستفادة منها في تطوير الصناعة المحلية وما يرتب على كل ذلك من توفير فرص العمل وخفض معدلات البطالة ورفع متوسطات دخل الفرد.

تاريخيًا، بدأت المناطق الحرة في العالم -قبل أن يظهر هذا المفهوم بشكله الحديث- في حضاراتٍ متنوعة، مثل: مدينة أفسس إحدى أهم المدن الإغريقية في منطقة الأناضول التي تقع في تركيا حاليًا. ومع ظهور المستعمرات بدأت بعض الدول الأوروبية في إنشاء مناطق حرة في عددٍ من المدن ذات الموانئ لتسهيل انتقال التجارة بينها وبين مستعمراتها، مثل: منطقة جبل طارق في عام 1704، وسنغافورة 1819، وهوج كونج 1942. أما المناطق الحرة بمفهومها المعاصر فقد ولدت في مدينة شانون الآيرلندية في عقد الخمسينيات من القرن الماضي، حين قررت الحكومة توسيع السياسية الليبرالية، التي كانت حكرًا على المرافئ والمطارات، إلى مناطق صناعية مجاورة للمطار. وكانت الدول الأخرى التي افتتحت مناطق حرة قبل سبعينيات القرن الماضي، تتركز في أمريكيا الشمالية وأوروبا، ودول آسيا والمحيط الهادئ.

وفي منطقة الشرق الأوسط، كانت سوريا أول من أسس منطقةً حرةً في دمشق عام 1952 تليها مصر التي أسست أولى مناطقها الحرة في الإسكندرية، ثم الأردن التي افتتحت أولى مناطقها الحرة في ميناء العقبة عام 1973. وفي ثمانينيات القرن الماضي، دشنت كلٌّ من تونس والمغرب والإمارات مناطق حرة إلا أن منطقة جبل علي الحرة بدبي استطاعت التفوق على نظيراتها بالمنطقة وحققت أرقامًا قياسيةً توجتها بحصولها على لقب تاسع أكثر موانئ الحاويات ازدحامًا في العالم. أما الدول العربية الأخرى، فقد شهدت ولادة المناطق الحرة خلال عقد التسعينيات ومنها: الكويت والجزائر والبحرين واليمن وإيران ولبنان، قبل أن تنضم لها سلطنة عمان وقطر في عام 2000 وما بعده.

وتختلف تخصصات المناطق الحرة باختلاف موقعها والهدف من إنشائها والنمط الاقتصادي للدولة التي تقع فيها وطبيعة البنية الاقتصادية والاستثمارية للمنطقة التي تقع فيها هذه الدولة، فهناك مناطق حرة في الموانئ البحرية وأخرى في المطارات ومراكز النقل الجوي. ومن حيث التخصص هناك مناطق حرة لتخصصاتٍ متنوعة، مثل: الإعلام والصيرفة والصناعة والاستثمار والتصدير والتخزين والتجارة والتأمينات وغيرها من الاختصاصات، لكن الأهم هو دراسة العوامل التي تتحكم في نجاح أو فشل هذه المناطق، حيث يتوقف النجاح أو الفشل على دراسة هذه العوامل والمقومات جيدًا قبل التفكير في إنشاء المنطقة الحرة حتى لا تقع الدول في فخ التكرار أو المنافسة التي لا تصب في مصلحتها أو مصلحة الدول المجاورة لها، وبخاصةٍ إذا كانت هذه الدول ترتبط إقليميا بمقوماتٍ اقتصاديةٍ وإستراتيجية مشتركة.

وتتمثل هذه العوامل في: استيفاء دراسة الموقع الجغرافي للمنطقة الحرة والإعداد الجيد لدراسة الجدوى الاقتصادية بأبعادها السياسية والاجتماعية والسكانية وتحديد نوع ونمط المنطقة الحرة والهدف من إنشائها والأنشطة التي ستعمل بها، وتوفير البنية الأساسية الذكية من أنظمة المعلومات والاتصالات والمواصلات البرية والبحرية والجوية، وقواعد البيانات والمعلومات والخدمات المالية والمصرفية، ومعايير الجودة الشاملة في الإدارة والتشغيل وإشراك القطاعين العام والخاص، وغيرها من المعايير.

ومع تعدد المناطق الحرة وتنوعها في منطقة الشرق الأوسط يتوقف الرهان الأكبر في نجاحها وتحقيق أهدافها على الإجابة عن السؤال التالي: كيف تنجح المناطق الحرة في تحقيق النمو الاقتصادي لدول المنطقة بالرغم من عددها الكبير والتنافس الشديد فيما بينها على استقطاب الاستثمارات الأجنبية؟ وتتمثل الإجابة على هذا السؤال في قدرة دول المنطقة على تحويل هذا التنافس إلى تكاملٍ حقيقي يضمن لها تحقيق النجاح الجمعي بدلا من التنافس الذي سيؤدي حتمًا إلى نجاح عددٍ قليلٍ منها نجاحًا غير مكتمل، وفشل بقية المناطق بمعدلات فشلٍ متفاوتة.

ويتطلب تحقيق التكامل بين المناطق الحرة في الشرق الأوسط استحداث منظمةٍ أو مؤسسةٍ حاكمة تتولى مهمة عقد الاجتماعات الدورية بين سلطات هذه المناطق، على أن تضم في عضويتها وزراء الاقتصاد والتجارة والمواصلات في هذه الدول، لمناقشة بنود هذا التكامل وتقييم قدرات المنطقة الاقتصادية وتوزيع الأدوار بينها بما يضمن الاستفادة الكاملة للمقومات الاقتصادية المتوافرة في كل دولةٍ على حدة.

حتى الآن لم تنجح دول الشرق الأوسط في التوصل إلى صيغة تكاملٍ تكون قاعدةً قويةً تعتمد عليها في منافسة مناطق الجذب الأخرى مثل منطقة جنوب شرق آسيا، وذلك بالرغم من توافر إمكانيات هذا التكامل وتوافر عوامل النجاح المشتركة بين دول المنطقة مثل وفرة المواد الخام والأيدي العاملة والمقومات الاقتصادية الأخرى، وتحكمها في 4 مضايق تُعتبر من أهم نقاط عبور التجارة في العام (هرمز وباب المندب وقناة السويس وجبل طارق)، وتمتعها بشواطئ يصل طولها إلى عشرات الآلاف من الكيلومترات، وتوافر المؤسسات المرجعية القادرة على احتضان مثل هذه المبادرات والمباحثات ومنها: مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية والمجلس الاقتصادي التابع لها.

ويبقى السؤال: إذا كانت كل هذه العوامل متوافرة ومستعدة لتحقيق التكامل فأين المشكلة؟ وما هو الحل؟ بإيجازٍ شديد، تكمن المشكلة في «الإرادة» والحل في «الإدارة»، وهما كلمتان بسيطتان متجانستان تتكونان من الحروف نفسها مع تبديلٍ بسيطٍ في ترتيبها، لكنهما تحملان دلالاتٍ كبيرة، حيث يتطلب تحقيق التكامل إرادةً قويةً تجمع بين جميع القائمين على القرار الاقتصادي في المنطقة، وإدارةً محترفةً ومستقلةً ومبدعة لها صلاحياتٌ وقراراتٌ ملزمة، يتم تأسيسها بالاتفاق بين دول المنطقة تحت أي مظلة تفضلها هذه الدول لضمان تحقيق التكامل المنشود.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

زر الذهاب إلى الأعلى