نون والقلم

مرة أخرى عن تصاريح عمل و إقامة الفلسطينيين

تخطئ الحكومة إذ تضع الفلسطينيين المقيمين بين ظهرانيها لأجيال متعاقبة وعشرات السنين، في سلة واحدة مع “العمالة الوافدة”، وحين تضع ما يقرب من 700 ألف فلسطيني فيبؤرة دائرة القلق و”المجهول” وعدم الاستقرار، ومن أي مبرر سياسي – اقتصادي أو أمني مقنع لأحد. قبل أن تبدأ نتائج التعداد العام للسكان بالتسرب، كانت التقديرات تذهب بأعداد هؤلاء إلى حدود المليون ونصف المليون نسمة، ورد ذلك في تصريحات متكررة صدرت عن رئيس الوزراء … يومها، استهجنا الرقم، وتساءلنا من أين جاء، وكيف تراكمت كل هذه الأعداد من دون علمنا جميعاً، بل ومن دون علم الحكومة ذاتها … اليوم، نعرف الرقم الفعلي، وهو أقل من نصف الرقم المقدر، نصفه تقريباً من أبناء قطاع غزة، ونصفه الآخر من المشمولين بتعليمات فك الارتباط، تعسفاً أو عن “استحقاق”. السؤال الذي يقفز إلى الأذهان، كيف استنكفت الحكومات، عن القيام بدورها في تحصين “السيادة”، وكيف تساهلت مع مقتضياتها حين كانت التقديرات تتحدث عن مليون نصف المليون فلسطيني، ولماذا تتشدد اليوم، وبحجة “السيادة” أيضاً، عندما تتكشف الأرقام الفعلية عن حجم المبالغات في التقدير، سواء لأسباب تتعلقبغياب المعلومة الدقيقة، أو خدمةً لأهداف سياسية بعينها… هل كانت “السيادة” مخترقة ومنتكهة طوال السنوات الممتدة من 1967 وحتى الأمس؟ ثم، من قال إن “السيادة” تتعارض مع “الترتيبات الواقعية”، التي عملت بموجبها الدولة بحكوماتها المتعاقبة، مع الوجود الفلسطيني في الأردن، وهل “السيادة” تستدعي حكماً إخضاع الفلسطينيين في الأردن، لنفس المسطرة التي يجري التعامل بها مع اللاجئين الجدد من سوريا وليبيا واليمن، أو مع العمالة الوافدة من مصرية وآسيوية وغيرها؟ … ما الذي سيتبقى إذن، من “العلاقات الخاصة والمتميزة” بين الشعبين الأردني والفلسطيني التي لا نكف عن التغني بها؟ كل ما يصدر عن الحكومات ويمر بالقنوات الدستورية المعتادة، يعتبر من “السيادة”، بما في ذلك استدعاء قوات أجنبية عند الضرورة … نحن لا نشكك في الطابع “السيادي” للقرارات الأخيرة، كما أننا لا نشكك في “سيادية” الإجراءات التي كان معمولاً بها قبلها، لكن هنا، وهنا بالذات، نتحدث عن قرارات “سياسية”، وكان من الأفضل أن تُطرح المسألة على هذا النحو. هل فكّرت الحكومة جيداً وعميقاً، في الأثر النفسي لقرارها على هذا القطاع من الساكنة؟ … هل فكرت في انعكاساته على ذويهم من الأردنيين من أصول فلسطينية؟ … هل يخلق القرار مناخات ارتياح واستقرار نفسي ومعنوي في البلاد، وهل هناك مشكلة حقيقة حتى يجري التعامل مع كل منهم في خانة “غير الأردنيين” وفقاً لمسطرة واحدة؟ … ألسنا أمام إجراء فائض عن الحاجة، وقرار مؤسف، ليس له من مبرر؟ ولماذا تصر الحكومة على توجيه رسائل متناقضة: تارة تدعم مبادرة “المبادرة النيابية” القاضية بضمان الحقوق المدنية لأبناء الأردنيات المتزوجات من “غير الأردنيين”، حتى وإن ظلت في كثيرٍ من جوانبها حبراً على ورق… وتارة أخرى، تعمل على تجريد “الفلسطينيين” من ميزة “عدم الحصول على تصريح وإقامة”، وهي من باب أضعف الإيمان. قد يقول قائل: أن ثمة مصادر للقلق من استمرار حالة “السيولة” التي تطبع وجود ما يقرب من ثلاثة ملايين “غير أردني” يقيمون لأسباب مختلفة، في الأردن، وبوضعيات قانونية متفاوتة … هذه “السيولة” لا تنطبق على الفلسطينيين على الإطلاق، فهم مسجلون في مختلف دوائر الدولة، وعناوينهم معروفة تماماً لكل الجهات الأمنية ذات الصلة، والمعرفة بهوية كل واحد منهم، لا تقل عن المعرفة بهوية وخلفية كل أردني على الإطلاق. وقد يقول قائل: للأمر صلة – ربما – بالضائقة الاقتصادية التي يمر بها، وهنا تجدر الإشارة إلى جملة من الملاحظات التالية: “الجباية” المؤسسة على رسوم على التصاريح، لا يمكن الاعتداد بها كمصدر للدخل …. والفلسطينيون العاملون في الأردن، أو حاملو الوثيقة الأردنية العاملون في الخارج، ينفقون ما ينتجون وما يجنون في السوق الأردنية، فليس لهم مكان آخر غير الأردن، ينشؤون فيه عائلاتهم، ويربون على تربته أبناءهم وبناتهم. إذا كانت الحكومة قد ضاقت ذرعاً بالأعداد المتزايدة من الوافدين من الخارج، فإن من باب أولى، أن تبدأ بإجراءات “منع التدفق” و”ضبط” و”تسجيل” الوافدين، لا أن تبدأ بالتضييق على فئة من السكان، رتبت معاشها ومستقبلها منذ خمسة عقود على أساس أنها مقيمة على الأرض الأردنية، وسحب ما يمكن اعتباره “ميزة” خاصة بها، تميزها عن بقية فئات الوافدين، هذا إن جاز تسميتها بـ “الميزة” في الأساس. لم يفت الوقت، بعد، ونأمل أن تعيد الحكومة النظر بهذا القرار، وفي أسرع وقت ممكن.

 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى