نون والقلم

عرفات في يافا!

قلت لصديقي: لو نكمل جولتنا في السيارة، لنصل إلى أريحا خلال ربع ساعة والقدس خلال ساعة، نصلي في الأقصى ونأكل الكعك بالسمسم والزعتر في حواريها القديمة.

ثم نمر بجنين وطولكرم نمتع نظرنا وروحنا بجمال حجارة البيوت العتيقة، نشم رائحة الأرض ونلتقط صوراً لباقة الحنون الأحمر والأصفر والبنفسجي، فهذا موسم تفتح زهر اللوز والكرز والتفاح والخوخ و.. قاطعني: كفاك حلماً، موسم العودة لم يحن بعد!تظاهرت بأني لم أسمعه وتابعت: ثم نواصل إلى يافا.

سنسأل عن مطعم أبو العافية، الباقي هناك مع ما تبقى ومن بقي من أهل يافا التي احتلها اليهود وخرجت الأكثرية من قراها وضواحيها ليغيبوا أسبوعاً أو أقل «ثم نعيدكم إلى بيوتكم»، هذا ما قالوه لهم وصدقوهم! ولكن مات الذين غادروا في الشتات وتركوا لنا ولأبنائنا وأحفادنا المفاتيح والحكايات و.. الحلم.

على بعد ثلاثة كيلو مترات قريتنا، الجماسين، يفصلها نهر العوجا، شرقية وغربية أقرب إلى البحر الذي كانت أمي تقول حين أسألها: نعم يا ابني، كنا نسمع هديله حين ننام. لم تكن أمي شاعرة بل كانت تقصد هديله.كان النهر شاباً. وبين قريتنا وقريتكم، الشيخ مونّس، كانت صلة قرابة يربطهما جسر خشبي وتاريخ لم يمت.هم، المحتلون يعرفون ذلك.

وثمة من يصحو ضميره فيعترف. وثمة من يدرك أنهم «عابرون في كلام عابر» فيدعو للتعايش بين اليهود والعرب. ها هو الكاتب جدعون ليفي يكتب في هآرتس:

«كنت سأكون مسروراً لو أنني سكنت في شارع ياسر عرفات في رمات أفيف -الاسم اليهودي لقريتينا الجماسين والشيخ مونّس- وكان سيثير الإلهام السكن في شارع يحمل اسم الحاصل على جائزة نوبل للسلام، ويبعث على الأمل السكن في الشارع الذي يحمل اسم العدو في السابق والأب المؤسس للشعب الجار، الذي سكن أبناؤه في القرية التي على أنقاضها أقيم الحي، وعرفات نفسه هو الذي حاول عقد السلام مع إسرائيل.

إن بادرة حسن نية مثل تسمية شارع على اسم القرية التي تم تدميرها، الشيخ موّنس، كانت ستكون بمثابة شهادة تقدير للحي والدولة».

يقول ليفي: «أنا أسكن في شارع يحمل اسم سياسي بريطاني يهودي، وأشك أن هناك ساكناً واحداً في الشارع يعرف من هو هذا الشخص ولماذا يستحق إطلاق اسم شارع على اسمه».

دوف ممزريتش، جادة هبعتاش، زلمان مايزل، قبائل إسرائيل، عمل إسرائيل – هذه هي أسماء شوارع يافا العربية.

وفي اللد الوضع مشابه: جادة الجيش الإسرائيلي إلى جانب المسجد العمري، الياهو غومولوف، اكسودوس والهجرة بجانب السوق وخان الحلو. تقريبا لا أسماء عربية ولا إحساس.

وجسر الدخول إلى الناصرة سمي على اسم الجنرال رفائيل ايتان، وهو أحد كارهي العرب، إذ شبههم بالصراصير. هذا ما يتم فعله تجاه الأقلية في البلاد، ولكن هذا غير كاف، فقد قررت بلدة «جت» قبل بضعة أشهر تسمية شارع على اسم ياسر عرفات. وجود شارع باسم ياسر عرفات في دولة إسرائيل أكتشف في وقت متأخر.

لكن ليس متأخراً لإحداث فضيحة والدوس على الأقلية. نتانياهو قال إنه لا يوافق على وجود «شوارع بأسماء أعداء إسرائيل». ووزير الداخلية تحرك للعمل، ورئيس المجلس المحلي في جت خضع وتم محو اسم الشارع.عرفات غير موجود.

وقد يسمى الشارع الآن على اسم اليئور أزاريا. وهذا سيكون مسلياً: المحو، الدوس، الخنق لكل المشاعر القومية. اليهود فقط يحق لهم التذكر.ويتابع: أعود إلى الحي الذي أعيش فيه. رمات افيف ج، هو حي إرهابيين. جميع الشوارع تقريباً مسماة بأسماء مخربين يهود قاموا بتفجير الحافلات وهاجموا القطارات وقتلوا الأشخاص.. سيتم تذكر عرفات إلى الأبد في أوساط شعبه، مع أو من دون شارع في جت.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى