نون والقلم

الشيماء أبو الخير تكتب: بطل من ورق.. رحلة الصعود المزيف!

لم تكن حكايات الأبطال والناجحين التي تملأ عالمنا هذا وتطرب آذاننا منذ نعومة أظافرنا مجرد سرد لحكايات ربما أراد ذوينا أن نعرفها لعلها تكون مصدراً للطاقة والحماس داخلنا لننطلق.

أخبار ذات صلة

فلقد عشنا في زمان كانت فيه البطولات تسطر بعرق وتعب وجهد شاق، وعندما كبرنا وأصبحت الحياة أكثر سهولة وأصبحت متغيرات الواقع رغم أنها مبهرة لكنها لا تنبئ إلا بالكوارث، باتت السرعة سمة العصر ولم تقتصر فقط في سرعة الوصول لكل ما تريد بأي مكان وأي وقت فحسب، لكن حتى تلك الأبراج العالية التي تحتاج لمجهود شاق بات من السهل الوصول لها حتى لو كان هذا الوصول على حساب فقدان المبادئ والأخلاق ودهس معايير المجتمع والتخفي في ستار الطموح متناسين الالتزام وما يضفيه من لذة عند الوصول.

وعند الحديث عن صناعة البطولة من لا شيء فنحن هنا لا نقصد تسليط الضوء على نقاط الضعف في منظومة قيم أو تربية أو حتى انحدار ثقافي قد أصاب المجتمع لكن المشكلة تتعلق  بالفرد ذاته ونمط اجتماعي خاطئ وهو «التقليد الأعمى» إن صح التعبير! فبدخول عصر التكنولوجيا بات الانبهار سيد الموقف فقديماً كنا نجلب أنماط وأفكار غربية ودخيلة على مجتمعنا ونحاول تقليدها ولكن قوبلت تلك الموجات بالرفض والتذمر آنذاك، لكننا اليوم نعيش في عالم غاب عنه الابتكار.

أصبح التقليد سمة العصر فأصبح الفقير اليوم يقترض الأموال دون النظر لعواقب ذلك فقط لمجرد أنه يريد أن يرتدى ابنه ملابس كالغني، وأصبح الغني ينظر لحياة المشاهير الأكثر ثراءً فينفق في اليوم الواحد ما يعادل راتب أسرة فقيرة كاملة لمدة شهر على أقل تقدير.

بات الشباب في صراع دائم مع متغيرات العصر فأصبح الكل يلهث وراء أنماط الحياة المختلفة والغريبة فتراهم يقلد كل منهما الآخر في مأكله وملبسه ومشربه وحتى سيارته، فهناك من يعيش في منزل لا يدرى كيف يؤمن إيجاره لكنه أبداً لا يتنازل عن سيارته الفارهة خشية المنظر العام أمام الآخرين، وحتى التعليم فهناك من يلحق أبناؤه بمدارس أجنبية دون الأخذ في الاعتبار الهدف من ذلك،  فتعلم لغة ليس عيباً لكن القضاء على هويتك العربية هو العيب، فحل التباهي محل الطموح لتحقيق الأهداف المرجوة من التعليم ذاته. وهناك من يملك قطعة أرض فيقوم ببيعها فقط لأنه يريد السفر للخارج لشراء درجة علمية، فيهاجر ويعيش في الغربة لسنوات ثم يعود حاملاً لهذه الدرجة وإن سألته عن مادته العلمية وتحاورت معه لوجدته لا يفقه شيئاً!

فالكل يريد أن يظهر على الساحة وبدا شراء الألقاب والتباهي بها عنوان المرحلة، فشراء سيارة يشبه بالضبط شراء لقب يشبه شراء منزلاً فارهاً، الكل يريد أن يجلب لنفسه سعادة مؤقتة دون أساس، والأمر من وجهة نظري يتعلق بجانب تربوي أيضاً وليس فقط مجرد اكتساب لنمط حياة يسير مع تيار التقليد الأعمى. فالأسرة عليها عامل كبير فهذا الأب يجب أن يغرس في أبنائه حب الصعود الحقيقي والمبنى على أساس سليم وغرس معنى قيمة الإنسان الحقيقة فيه، فليس عيباً أن تسير بملابس متواضعة وتسير على قدمك في الطريق وأن يعرف أصدقاؤك أنك تقطن منزلاً بالإيجار! كل هذا الشيء لا يقلل من قيمتك كإنسان لكن ما يقلل منك حقاً هو اللمعان المؤقت والمبهر لأعين الآخرين وهو ما يجعلهم ينبهرون بك وحتى هذا الانبهار يظل مؤقتاً!

وأخيراً فالطموح وبناء الأحلام إن لم يكن على أساس سليم فهو إلى الهاوية! وما أجمل بناءها سريعاً لكن بقاءها لن يدوم! فأنت هو البطل المتوج بالكأس لكنك من ورق! مجرد تيار رياح قوى سيقذف بك وبعض قطرات المطر ستقضى عليك وتمزقك !

للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا
   tF   اشترك في حسابنا على فيسبوك  وتويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

 

 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى