نون والقلم

الجديد في دعوة هولاند للحرب على الإرهاب

منذ أن أطلق الرئيس الفرنسي هولاند، كلمة «الحرب»، عقب هجمات «داعش» في باريس الشهر الماضي، أخذت الدوائر الاستراتيجية في الغرب، تكثر من القول إن ما نطق به رئيس فرنسا، هو بمنزلة إعلان بأن العالم قد تغير، ولم يعد مثلما كان، ولا تصلح للتعامل معه، الأفكار والسياسات التي كانت متبعة في ظل أوضاع عالمية، دامت زمناً طويلاً.

لكنهم أشاروا أيضاً إلى أن ماهية هذه الحرب ليست واضحة تماماً، ولابد من تحديد قاطع للعدو، وهويته، والذي ستدار الحرب ضده. وأن الحرب عادة تقوم بين دول ضد دول، ولهدف محدد، هو مواجهة تحديات، تهدد أمن، وسلامة، ووحدة أراضى الدولة، ويتصدى التحالف بين هذه الدول للعمل في جبهة محددة جغرافياً.

لكن العدو هذه المرة، عبارة عن شراذم، متناثرة في بلاد عديدة، أطلقوا على أنفسهم مسمى «الجهاديين». وهم بلا هوية وطنية، أو ولاء للدول التي حملوا جنسيتها. ثم أنهم عدو خارج على كل معايير العلاقات الدولية، والقانون الدولي، ولا يلتزمون بأي قواعد قانونية، أو أخلاقية، أو إنسانية ،ما يضعهم في إطار تصنيف القبائل البدائية في عصور ما قبل التاريخ، وقبل أن تعرف البشرية نظام الدولة.
ومهما اختلفت مسمياتهم من القاعدة إلى أنصار الشريعة، وغيرها، وحتى «داعش»، فكلهم عبارة عن شبكة يجمع بينها، مبدأ مشترك هو الكراهية للآخرين.
لقد بدأت – عقب إعلان دعوة الحرب – بلورة بدايات تحالف عالمي، قضيته ردع تنظيم «داعش»، وكسر شوكته، وتفتيت قدرته على الحركة، ثم التواجد. وأبرز ما نتج عن دعوة هولاند، هو تزايد التضامن العالمي، ضد هذه الشبكة الإرهابية، المعبأة بشحنات الكراهية، وتبع ذلك طلب فرنسا من مجلس الأمن اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية ضد «داعش». واستجاب المجلس للطلب، وأصدر قراره بالموافقة، التي وصفت بأنها ختم التوافق الدولي، الذي يسمح بالعمل العسكري.

هذه الحرب لن تكون مجرد حرب استنزاف. فهي تسعى لتجاوز أسلوب غارات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، منذ أكثر من عام، والذي عجز عن تحقيق الهدف الذي قام من أجله، لأنه أولاً اكتفى بالغارات الجوية من دون مواجهة برية. وثانياً لأن نظرته قصرت عن استيعاب حقيقة الشبكة العالمية للإرهاب، التي تضم داعش، وجماعات أخرى، إما أنها تنسق معها، أو على الأقل هي متعاطفة معها.

ولهذا فإن إطلاق الدعوة لتحالف جديد للحرب – كما يذكر الباحثون في خطط عمل هذا التحالف – هو محاولة إيجاد وسيلة ذكية لتسديد ضربات إلى عقل التنظيم وشل فاعليته، بإظهار صورته الحقيقية المناقضة كلية لخطابه المضلل، والذي يجذب أعضاء جددا، أوهمهم التنظيم بأنهم يدافعون عن الإسلام، بينما كل ممارساتهم يحرمها الإسلام، وذلك إلى جانب الحشد العسكري، والمخابراتي القوي والمؤثر.

ويحاول التحالف الجديد، تجنب الخطأ الذي وقعت فيه الولايات المتحدة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، عندما أعلن الرئيس بوش ما أسماه «زمن الحرب على الإرهاب». ومع ذلك انتشرت خلايا الإرهاب في مختلف الدول، لأن نظرة بوش ركزت على جبهة واحدة، وعلى تنظيم واحد هو القاعدة، وفي نفس الوقت أقام علاقات مع منظمات إرهابية أخرى، ليستخدمها لحساب المصالح الأمريكية، وهي التي وصفها بجماعات الإسلام المعتدل!.

الآن.. تغيرت قواعد اللعبة، وبرزت مؤشرات تقارب بين من كانوا خصوما في الفترة الأخيرة، مثل روسيا والغرب، وإن لم يصل التقارب إلى حد التحالف، وأيضاً مؤشرات تباعد داخل التحالف الغربي نفسه، بعد أن صرحت عواصم أوروبية باقتناعها، بأن تركيا – عضو الناتو – تتعامل مع «داعش» في الخفاء، فضلاً عن شكوك في دول أخرى، لها علاقات مستمرة مع منظمات إرهابية.
يرتبط بذلك، ما يجرى حالياً في الغرب من مناقشات للمختصين – خارج المؤسسات الرسمية – حول مفهوم الحرب الذي أعلنه هولاند، وكيف تتكون لها رؤية شاملة، يعقبها وضع آليات عملية، لحصار «داعش»، داخل حلقة دولية محكمة، تنتهي بالقضاء عليه. وأن تكون الرؤية متسعة، بحيث تضع كل جماعات الإرهاب المعروفة، في أي مكان تتواجد فيه، والمشتبه فيها، داخل تصنيف «هوية العدو». وحتى يمكن لهذه الحرب، ألا تدع لأي من هذه المنظمات، فرصة للإفلات من العقاب.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى