نون والقلم

الثوابت الوطنية.. فوق الجميع

في كل المجتمعات والدول.. وداخل جميع المؤسسات والهيئات.. هناك ثوابت لا يتم التنازل عنها، ولا القبول بالمساس بها.. وإذا ما تعارضت تلك الثوابت مع مبادئ ومفاهيم وقيم، فإن الثوابت هي الأسمى وهي الأعلى وهي فوق الجميع، بل إن تلك المبادئ والمفاهيم والقيم تكون طوعا لتلك الثوابت الراسخة. فالثوابت الوطنية ومصالح الدولة العليا تنال الاحترام والتقدير، والهيبة والمكانة من خلال الممارسات الإيجابية، عبر حرية التعبير والرأي المسئولة، وضمن الالتزام بالقانون والدستور، وبالتالي فمن يهدد تلك الثوابت والمصالح، ويسيء استخدام حرية الرأي والتعبير المسئولة، كان لزاما أن ينفذ عليه القانون والإجراءات؛ حماية للمجتمع، وتصحيحا للمسار، وتوضيحا للخلط الذي قد ينتاب البعض حول المبادئ والمفاهيم والقيم.
لذلك فإن لحرية الرأي والتعبير حدودا، منها الدستور والدين ومصالح الدولة، وإذا ما أسيء استخدام تلك الحرية فمن واجب الدولة أن تطبق القانون على كل متجاوز، لحماية مصالحها وثوابتها، وهذا بالتمام ما قامت به الدولة مؤخرا، وليس من المنطقي أن تنبري جهات لتدافع عن مبادئ وقيم ومفاهيم حرية الرأي والتعبير، وتغفل عمدا وقصدا عن الإضرار بثوابت الدولة ومصالحها العليا وعلاقاتها مع الدول الشقيقة، فلا توجد في أي دولة «حرية منفلته»، تصل إلى حد الضرر بالمجتمع وثوابت الوطن، ثم تبقى ساكتة ساكنة لا تتحرك.
جميعنا مع حرية الرأي والتعبير المسئولة، ونتمنى ألا تصل الأمور إلى حد محاسبة صحفي أو توقيف مؤسسة إعلامية، ولكن متى ما تجاوز الصحفي أو المؤسسة الإعلامية إلى حد الإضرار بثوابت الوطن ومصالحه العليا وعلاقاته، فنحن ندعم ونؤكد تنفيذ القانون ونشجع عليه ونؤيده، وهذا هو ركن رئيسي في دولة المؤسسات والقانون، وجانب أساسي في العمل الديمقراطي، ومن يتباكى ويخلط الأوراق بين حرية الرأي وتطبيق القانون واحترام الثوابت الوطنية ومصالح الدولة العليا وعلاقاتها، فهو يمارس النرجسية والاستعلاء، ويجهل أبسط مبادئ وقيم ومفاهيم حرية الرأي والتعبير المسئولة، ويكذب على الرأي العام. نقطة مهمة في هذا الأمر تتعلق بأن للقانون وجزاءاته إجراءات تحكمه، وحدودا تضبط تنفيذه، وبالتالي فمن الطبيعي أن أي عقوبة لها حد وتنتهي، ولكل قرار مدة معينة ثم تزول، وليس من المعقول أن تنتاب البعض حالة من «التحلطم» إلى حد المطالبة بإنزال عقوبة على أي جهة إلى ما لا نهاية، إلا إذا كان القرار بحل المؤسسة الإعلامية أو توقيف الصحفي عن الكتابة مدى الحياة، وقد تم تطبيق ذلك في بعض الدول وفي حالات أخرى، ولم تتوقف مسيرة العمل في تلك الدول، رغم محاولة بعض المنظمات والدكاكين عبر بياناتها «المعلبة» تخويف الدولة وتهديدها، والبكاء على حرية التعبير ونعتها بكلمات فارغة.
إلا أن الأمر الواجب الإشارة إليه وتأكيده في هذا الموضوع أن تنفيذ القرار على أي مؤسسة إعلامية فرصة لأن يراجع أصحاب القرار فيها مواقفهم، وتصحيح مسارهم، وللحد من حالة الانفلات في (الرأي والخبر) الذي يفسد للود قضية، ويضر بثوابت الدولة ومصالحها وعلاقاتها، وعليهم تغيير نهج التشدد والتأزيم والتعصب والتحريض والكراهية، نظرا إلى غياب الأمانة الصحفية والمهنية الموضوعية، فليس من الأمانة ولا المهنية ولا حتى الوطنية التركيز على نشر أخبار سلبية بالعشرات يوميا على دولة خليجية بالذات، والمساهمة في نشر حالة الاستياء العام، وإغفال كل الإيجابيات والجهود في الدول الخليجية عموما، وفي مملكة البحرين خصوصا.
نقطة أخيرة تتصل بالحديث عن «الصحافة المستقلة»، لأن محاولة احتكار هذا اللقب والترويج له لمؤسسة إعلامية محددة ووحيدة، أو لبعض الصحفيين والكتاب دون سواهم، يعد من ضمن الأكاذيب والمزايدة، فجميع الصحف البحرينية وكتابها وصحفيوها هي مستقلة، ويمتلكها رجال من القطاع الخاص، ولها مواقف مؤيدة للحكومة ومواقف أخرى كذلك، وليس من الاستقلالية في شيء أن تقوم تلك الصحف بتهديد ثوابت الوطن والإضرار بمصالحه والإساءة للنسيج الاجتماعي، حتى تنال «صك» الاستقلالية من فلان أو علان، أو لتثبت أنها «مستقلة» لأن تعريف الاستقلالية هنا يكون مغالطة كبيرة لا تليق.
ختاما.. فإن الثوابت الوطنية.. فوق الجميع.. ولا داعي لممارسة المظلومية وإدعاء التمييز، مهما صدر من بيانات مساندة، هنا أو هناك لأن اللعبة مكشوفة، ومملكة البحرين هي دولة مؤسسات وقانون، ولن يضيرها تنفيذ القانون على أحد، بل إن في تنفيذ القانون مصلحة للجميع وحياة للمجتمع.. ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب، والمقصود بكلمة القصاص هنا هو «حد القانون»، الذي يعيد تصحيح مسار كل مخطئ ومتجاوز ومسيء، وعبرة له، ودرس لغيره في المرحلة المقبلة.

نقلا عن صحيفة أخبار الخليج البحرينية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى