مع احتقان العلاقات الإيرانية الخليجية ، وتصاعد حرب التصريحات والتهديدات العلنية والسرية بين طهران والسعودية ، أجرى وزير الخارجية العُماني زيارة للجمهورية الإيرانية استمرت ليوم واحد مؤخرا، وأثمرت عن العديد من النتائج الاقتصادية والتجارية.
الزيارة العمانية لإيران في هذا التوقيت الحساس، بالنسبة للمنطقة الخليجية والسعودية على وجه التحديد، أثارت ردود فعل صاخبة حول التقارب العماني الإيراني على حساب مصلحة دول الخليج، مما دفع وزير الخارجية العُماني، يوسف بن علوي، إلى التأكيد أن زيارته لطهران تأتي في إطار تعزيز العلاقات، وأنها لا تستهدف طرفًا أو جهة، موضحًا في اجتماع مع نظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، أهمية التعاون مع إيران لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
سياسة النأي بالنفس
تحاول سلطنة عمان دومًا أن تلعب دورًا معتدلا ومحايدًا في ظل الصراعات الموجوده بمنطقة الشرق الأوسط، حيث تسعى للنأي بنفسها عن أن تكون طرفًا في خلافات أو صراعات إقليمية، عكس ما تقوم به الدول الخليجية، الأمر الذي جعل البعض يرى أن عمان تغرد دائمًا خارج السرب الخليجي ، من خلال اتخاذ مواقف بعيدة نهائيًّا عن الموقف الخليجي.
هذا الدور المحايد الذي تحاول السلطنة الحفاظ عليه، رغم الضغوط التي تتعرض لها من قِبَل دول مجلس التعاون الخليجي، جعلها تقوم بدور الوساطة في العديد من الأزمات الإقليمية، التي كان أبرزها انطلاق المفاوضات النووية بين إيران والغرب في عام 2013 بعد توسط سلطنة عمان بين الطرفين، مما جعل وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، يشيد بدور السلطنة في إبرام الاتفاق النووي، كما لعبت مسقط دور الوسيط بين طهران وواشنطن للإفراج عن معتقلين، بينهم ثلاثة شبان أمريكيين اعتقلتهم إيران في 2009، وإيرانية أفرجت عنها واشنطن في 2012.
الاستراتيجية المستقلة التي تتبعها سلطنة عمان جعلتها تحظى بعلاقات وثيقة مع بعض الدول التي تعتبرها منطقة الخليج أبرز خصومها مثل إيران، حيث تربط سلطنة عمان علاقات قوية مع طهران، مما يثير غضب وامتعاض الدول الخمس المتبقية في مجلس التعاون الخليجي، ويعزز من صورة السلطنة كعضو خارج السرب في المجلس، وقد تجلت هذه الاسترتيجية خلال الأزمة الأخيرة بين طهران والرياض، التي قطعت فيها الأخيرة علاقاتها الدبلوماسية بالأولى، وما تبتعها من خطوات مماثلة اتخذتها باقى الدول الخليجية، لكن عمان كانت صاحبة الموقف الأقل حدة، حيث اكتفت بإدانة التخريب الذي تعرضت له سفارة المملكة في طهران وقنصليتها في مشهد.
عمان و أزمة اليمن وسوريا
التغريد خارج السرب الخليجي لم يقتصر على إيران فقط، لكن طال اليمن وسوريا أيضًا، حيث تختلف سياسة عمان الخارجية تجاه الدولتين عن تلك التي تتبعها الدول الخليجية بشكل كبير، ففي الشأن السوري، تحافظ عمان على علاقات دبلوماسية جيدة مع الحكومة السورية، وفي أكتوبر الماضي أجرى وزير خارجية سلطنة عمان، يوسف ين علوي، زيارة أثارت جدلًا واسعًا إلى سوريا، حيث التقى خلالها بالرئيس السوري، بشار الأسد، أما في الشأن اليمني فقد رفضت عمان الانضمام إلى التحالف العربي والتورط مع السعودية في عدوانها ضد اليمن، كما رفضت أيضًا الانضمام للتحالف الإسلامي الذي أعلنت عنه السعودية ديسمبر الماضي.
و قالت مصادر خليجية إن سلطنة عمان ترعى مشروع حل سياسي للأزمة اليمنية بمباركة يمنية خليجية، مع وفد من جماعة “أنصار الله” الذي يزور السلطنة منذ السبت الماضي، وكشفت المصادر أن ما يجري في مسقط هو إقناع “أنصار الله” بالقبول بتطبيق قرار مجلس الأمن مقابل ضمانات سياسية وأمنية التي تضمن عدم اقصائهم وملاحقتهم وحتى محاكمتهم مستقبلا، وكذلك تضمن لهم بقاءهم كطرف سياسي رئيسي في مستقبل اليمن، وقالت المصادر إن البنود الأساسية للمبادرة تقوم على فكرة وقف إطلاق النار مع انسحاب “أنصار الله” من المدن، وهو أمر وافقوا عليه، لكنهم تسائلوا عن هوية الجهة العسكرية والأمنية التي ستملأ الفراغ بعد خروجهم، خصوصاً أن الجانب الآخر يرفض إسناد الدور حصرًا إلى قوات الجيش اليمني الذي يعتبرونه في خدمة “أنصار الله”.
و قد سبق لعمان أن تدخلت في أزمات عديدة لليمن، حيث كانت وسيط في تسوية آخر اتفاق بين جماعة “أنصار الله” وبقية الأطراف السياسية المسمى بـ”اتفاق السلم والشراكة الوطنية” قبل العدوان السعودي، وكذلك عرضت مسقط على السعودية من قبل خطة سياسية في إطار المبادرة الخليجية، عبر نقل الحوار اليمني إلى السلطنة، لكن المملكة رفضت.
تغيرت الأحوال كثيرًا منذ المبادرة العمانية الأولي، فمع اشتداد حلبة الصراع داخل اليمن وبعد أن بات الخطر العسكري والسياسي يلامس حدود السعودية، اضطرت دول الخليج إلى اعتماد السلطنة كوسيط لحل الأزمة اليمينة، واحتوائها ضمن حوار شامل، وحاولت استثمار التقارب العماني الإيراني للضغط على جماعة “أنصار الله” من أجل تراجعهم.