رحيل «الدبلوماسي» بطرس غالي و«الجورنالجي» محمد حسنين هيكل “خسارة فادحة” كما يراها كاتبو نعيهما، والناظر إلى حياتهما سيجدهما يشتركان في أموركثيرة.
اختارهم الموت في سن الرابعة والتسعين وفصل بينهما يوم واحد.
لم يسبق غالي هيكل في الوفاة فقط، بل سبقه كذلك في الميلاد فالأول ولد في 14 نوفمبر1922، وبعد أقل من العام جاء هيكل للحياة وتحديدا في سبتمبر 1923.
والاثنان كانا يجمعهما العمل في الأهرام، فقضى «غالي» 37 عامًا في الصحيفة، وقال عميد الدبلوماسية العالمية في حوار تليفزيوني إن علاقته بمالكي جريدة الأهرام بشارة تقلا، جعلته يتعرف على هيكل ومن ثم خرج مشروع مجلتي الأهرام الاقتصادي والسياسة الدولية للنور.
وعلى الجانب الوظيفي بعيدًا أُسندت إلى هيكل مهام وزارة الخارجية لمدة أسبوعين، بينما تولى غالي منصب وزير الدولة لشؤون الخارجية في الحكومة المصرية في الفترة من 1977 إلى 1991.
و كان آخر الأمور المشتركة بينهما المرض، الذي عانيا منه قبل وفاتهما، كما أن الاثنين جمعهما القرب من دائرة صنع القرار والأحداث السياسية التي شهدها العالم، وإن اختلفا سياسيا، فكان هيكل من منتقدي السادات، خاصة مع اختلافه حول سياساته بعد حرب أكتوبر، بينما أيده غالي وحضر معه كواليس المفاوضات بعد الحرب.
تحدث هيكل عن غالي في أحد حلقاته على قناة الجزيرة، قائلا «لم نكن نقترب من رئاسة المنظمات الدولية، لأنه كانت هناك تقديرات تشير إلى أننا لا نريد أن نتعامل مع إسرائيل، وبما أننا لا نريد أن نتعامل معها، فليس من المهم أن يكون لدينا أحد رئيس الأمم المتحدة».
وأضاف، أن الدكتور بطرس تم ترشيحه من قبل فرنسا على أساس أنه عمل خدمات لمنظمة الفرانكفونية، والولايات المتحدة قبلته على أساس أنه وزير الخارجية الذى ذهب مع السادات للقدس.
وأشاد ببطرس غالي ووصفه بأنه «رجل ذكي ومتحضر وفيه مزايا هائلة»، كما اعتبره «أحد عناصر الجبهة الوطنية داخل الأهرام».
اختلافهم السياسي
عندما أصبح السادات رئيسا بدأ اختلا الاستاذ و بطلرس غالي حيث اختلفت علاقة هيكل مع الاسادات و التى لم تكن يوما كعصر عبد الناصر ا فلم يكن هيكل يريد أن يواصل العمل في خدمة “سيد” جديد، بل أراد أن يكون شريكاً حقيقياً كان قد خرج من قمقم “التابع”، الذي ظل حبيساً داخله طوال 18 عاماً في ظل سلطة رجل استثنائي، وبدأ مسيرة علاقة دراماتيكية.
منذ البداية لم يكن السادات يستريح لهيكل، ولكنه كان في حاجة إليه، وتصورها هيكل فرصته لكي يستخدم السادات ولكن في النهاية ظهر أن السادات هو الذي استخدم هيكل فالسادات لم يكن سهلا، وكان يشعر بالدونية تجاه هيكل، ولم يقصر هيكل في ترسيخ هذا الشعور داخله خلال فترة عبد الناصر وحسب شاهد عيان فقد كان يعامل السادات معاملة “درجة ثالثة”.
كان هيكل قد شارك في صناعة شرعية السادات في أكتوبر سنة 1970، وأصبح مهندس تكريسها في مايو سنة 1971، ثم هو الذي صاغ أساس الشرعية الجديدة في أكتوبر سنة 1973، بعدما أطلق على السادات: “صاحب قرار أكتوبر العظيم”، ومع ذلك، لم يكن أمامه من خيار بعد 4 أشهر، إلا أن يرضى بهيكل الجديد، هيكل الملتزم، أو أن يحمل عصاه ويرحل بعيداً في الظل.
وفي العام 1977، وبعد استقرار الأمور للسادات أراد أن يقتلع هيكل من الذاكرة العامة حتى أمر بحبس هيكل مع الآلاف التي امتلأت بهم ساحات السجون في عام 1981 فيما سمي حملة سبتمبر الشهيرة.
اما عن بطرس غالي فقد رأى الرئيس السادات فى بطرس غالى من الوهلة الأولى لعمله معه أنه شخصية مثقفة ووطنية إلى أبعد الحدود ومتسع الأفق. وروت السيدة “جيهان” موقفا طريفا دار بين بطرس غالى والرئيس السادات، يتمثل فى أنه عندما كان غالى ينهى جلساته مع الرئيس الراحل كان يقول له الرئيس “تِسلم يا غالى”، فيبتسم بطرس غالى ويقول: “صعب يا فندم أن أسلم”، وينهمر الجميع فى الضحك. كما شارك بطرس غالى الذى الرئيس الراحل أنور السادات فى مباحثات كامب ديفيد، كان دائما يسعد بوجوده معه، لكونه وافق على تولى منصب وزير الخارجية فى الوقت الذى استقال فيه وزيران من منصبهما، خلال مفاوضات السلام، التى بدونها كانت سيناء مازالت مستوطنة إسرائيلية حتى الآن.