ما سقط سهوا من ذاكرة الشعوب وعن عمد من حاسوب الانظمة السياسية في هذه الاونة الرمادية من تاريخنا هو عدد الادمغة المهاجرة وليس فقط عدد اللاجئين ممن لا حول لهم ولا قوة، وما كان يسمى قبل عقود Brain Drain فشل العرب في معالجته او حتى وضع حدّ له، فالادمغة المهاجرة تضاعف عددها لأن اسباب هجرتها او بمعنى ادق تهجيرها تضاعفت ايضا، مما يدفعنا الى التساؤل عن عقارب تلك الساعة الشهيرة التي اهداها هارون الرشيد لشارلمان، وعما اذا كانت عقاربها تدور الى الوراء بانتظام! في ستينات القرن الماضي طرحت هذه القضية في مصر رغم ان عدد الطلبة الذين درسوا في الغرب ولم يعودوا لم يتجاوز المئة وخمسين طالبا، وما يدفعه الاباء اليوم من اقساط تقصم ظهورهم للمدارس كانوا في تلك المرحلة يدفعونه كعقاب اذا تخلّف ابناؤهم عن التعليم الالزامي . وهناك دول عربية اوشكت ان تحتفل بوداع الامية، تعود الان الى ما قبل القرن العشرين، وهناك سؤال يراود البعض في مثل هذه المناسبة التي تتعلق بهجرة العقول هو ما الذي سيؤول اليه مصير ادوارد سعيد واحمد زويل ود . مجدي يعقوب وهشام شرابي لو انهم مكثوا في مساقط رؤوسهم. هذا السؤال تولى الاجابة عليه الراحل د . هشام شرابي في كتابه الجمر والرماد فالرجل ترك عمله وموقعه الرّفيع في احدى الجامعات الامريكية عام 1967 وعاد ليعتذر لوطنه عن الهجرة ويساهم في خروج الازمة من ظلام الهزيمة، ثم رأى ما رأى وقد رواه في كتابه، وحين ربط الحزام في الطائرة أقسم ان لا يعود الى هذا الوطن ! حتى المهاجرون واللاجئون العرب الى الغرب اصبحوا طبقات ودرجات، فهناك من يرحب به الغرب لكفاءته كي يعتصر دماغه الى آخر كلمة مقابل ملايين العالقين بالجغرافيا والاف الغارقين في البحار ! لقد تم افراغ العالم العربي وتجريفه علميا وثقافيا في العقود العجاف التي لخّصها فيلم عربي بعنوان انتبهوا ايها السادة، موضوعه باختصار شراء احد الزبالين لعمارة ثم تشريد استاذ جامعي يسكن فيها، وهذا ليس ازدراء لفئة اجتماعية ندين لها بنظافة بيوتنا وشوارعنا، كي لا يُفهم ما نقوله اننا نردد ما قاله وزير عدل عربي ازدرى الزبالين فدفع منصبه ثمنا لهذا الخطأ. ان اسباب هجرة العقول التي قد تكون اقتصادية او سياسية او دفاعا عن الكرامة العلمية اضاف لها العرب في هذه الاونة سببا جديدا، هو الفرار من الذّبح والمطاردة والبطالة، فعن اي مستقبل يثرثر التنابلة ؟؟؟