تردد مصطلح “الحرب البادرة” خلال الأيام الأخيرة على لسان مسئولين وشخصيات روسية وأمريكية بارزة، الأمر الذي أزعج بعض المراقبين والمحللين بالدولة العبرية، والذين يقدرون أن العودة إلى حقبة الحرب الباردة يضر بشدة بالمصالح الإسرائيلية.
ويطالب هؤلاء المؤسسات الأكاديمية ومراكز البحوث الإستراتيجية والسياسية في إسرائيل، بالبدء في وضع دراسات وتقديرات بشأن الأضرار والمخاطر المحتملة، التي ستواجهها إسرائيل، في حال تحول التوتر القائم بين واشنطن وموسكو بشأن الشرق الأوسط وغيره من المناطق إلى “حرب باردة 2″، وإمكانية الانزلاق إلى حرب عالمية ثالثة “يمكنها تدمير الكرة الأرضية ومن عليها”، بحسب وصفهم.
واستخدم رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف قبل يومين مصطلح “الحرب الباردة”، حين قال أن “العالم دخل حربا باردة جديدة، وأن ما تبقى هو سياسة غير ودية ومغلقة لحلف شمال الأطلسي حيال روسيا”.
وقبل ذلك بأيام صرح السياسي الأميركي هنري كيسنجر، عقب زيارة قام بها إلى موسكو، التقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين، بأن العلاقات الأمريكية الروسية “تكاد تكون في أسوأ أحوالها منذ انتهاء الحرب الباردة”، مضيفا أن الثقة المتبادلة بين البلدين تبددت، فيما حلت المجابهات محل التعاون الثنائي، ومشددا على أن ثمة إجماع بأن حربا باردة جديدة قد اندلعت بين الولايات المتحدة وروسيا.
ويعلق الكاتب الإسرائيلي دان مارجاليت، في مقالته التي نشرتها صحيفة “إسرائيل اليوم”، على هذه التطورات، ويقول إن موسكو وواشنطن قطعا لا ترغبان في العودة إلى حقبة “الحرب الباردة”، ولا سيما وأنهما على علم تام بأن التوترات التي قد تقود إلى مواجهات عسكرية، ربما تنتهي بحرب تضع حدا للحياة البشرية، حيث أن العالم في عام 2016 يختلف كثيرا عن العالم الذي كان قائما أواخر ثلاثينيات القرن الماضي.
وعقد الكاتب الإسرائيلي مقارنة تاريخية بين التوترات الحالية بين الجانبين وبين ما حدث طوال عقود مضت، وخلص إلى أن الحرب السورية المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات، تذكر العالم إلى حد كبير بما حدث على الأراضي الإسبانية في الفترة (1936 – 1939)، والتي كانت من وجهة نظره مفتاح بدء الحرب العالمية الثانية، حين دعم الغرب تمرد الجنرال فرانسيسكو فرانكو، ودعم الإتحاد السوفيتي وقتها الحكومة القائمة ذات التوجه اليساري.
وتابع أن هناك تشابه أيضا بين الوضع الحالي وبين سعي الإتحاد السوفيتي في سنوات الـ40 من القرن الماضي لتوسيع الإمبراطورية الشيوعية، عبر دعم عمليات تخريبية في تركيا وإيران واليونان، وتدخله إلى حد كبير في السياسات الفرنسية.
ويعتقد مارجاليت أن الولايات المتحدة الأمريكية ربما تكون قد أخطأت بشدة حين لم تتدخل وقتها للحفاظ على بولندا خارج المعسكر الشيوعي، ويرى أن ثمة تشابه كبير بين الموقف الأمريكي إزاء بولندا وبين موقفها الحالي إزاء سوريا.
ويشير إلى أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما وحلف الناتو يسلمون حاليا بتحول سوريا إلى منطقة نفوذ روسية مثلما حدث مع دول أوروبا الشرقية، وأن هناك شكوك كبيرة في أن ينجح أوباما في وقف المد الروسي، في ظل خلافات أمريكية داخلية عديدة، مرجحا أن ينتظر الجميع الرئيس الأمريكي الجديد قبل أن يحرك ساكنا في هذا الصدد.
ويؤكد الكاتب أن إسرائيل تحرص بشدة على عدم العودة إلى حقبة الحرب الباردة، حيث أن تلك الحقبة كانت قد شهدت وقوف الاتحاد السوفيتي إلى جوار العالم العربي، فيما منحت الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل مساعدات في غاية السخاء، مع الحفاظ على مصالحها مع الدول النفطية العربية.
وتساءل مارجاليت إذا ما كانت إسرائيل ستستطيع المضي في الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع أطراف الحرب حال عودة تلك الحقبة، وتفاقم التوترات بين موسكو ووشنطن إلى درجة تجعل من الصدام العسكري أمرا غير مستبعد، متوقعا أن تسعى لتحقيق هذا الأمر دون أن يؤكد إذا ما كان انحيازها لأحد الطرفين “الأمريكي بالتحديد” سيؤثر على علاقاتها بالطرف الآخر الروسي، الذي بات لاعبا أساسيا ومهيمنا يقف على حدودها الشمالية، ويمتلك حرية العمل قبالة سواحلها.