ربما يصب رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران في مصلحة النظام الإيراني الذي يدفع باتجاه تشجيع الزواج والإنجاب بين أفراد الشعب، لكن هذا الأمر قد لا يكون بالسهولة التي يعتقدها النظام، فالأمر ليس مقتصراً على الوضع الاقتصادي فحسب، بل يتجاوزه إلى الاجتماعي والسياسي.
فقد وصلت إيران إلى مصاف الدول الأوروبية في معدلات الطلاق والإنجاب، الأمر الذي دفع الحكام إلى حث الشعب على الإنجاب، من أجل مضاعفة عدد السكان بحلول العام 2050 من خلال سن قوانين وتشريعات جديدة تشجيع الزواج والإنجاب، بحسب تقرير لسكاي نيوز عربية.
ليس هذا فحسب، بل بات شائعاً مشاهدة لوحات إعلانية تشجع على ذلك.
إعلانات لتشجيع الإنجاب
ومن بين تلك اللوحات الإعلانية، على سبيل المثال، إعلان يقول “وردة واحدة لا تصنع ربيعاً.. مزيد من الأطفال حياة أكثر سعادة”، ويصور الإعلان رجلاً على دراجة هوائية وخلفه ولد واحد، وتبدو عليهما الكآبة، فيما يبدو أمامهما رجل مع 5 أطفال تبدو عليهم جميعاً مؤشرات السعادة والمرح.
وتستهدف إيران من خلال حملتها هذه إلى زيادة عدد السكان إلى الضعف، والوصول إلى 150 مليون نسمة بحلول العام 2050.
وتتناقض حملة النظام الإيراني مع الحقائق الصارخة في المجتمع، ذلك أن معدلات الطلاق في الدولة المحافظة ومعدلات الإنجاب تقترب من مثيلاتها في الدول الغربية.
وتشير تقارير إلى أن نحو ثلث الزيجات في طهران تنتهي بالطلاق، بينما انخفض معدل الولادة للمرأة الواحدة من 7 حالات ولادة خلال عقد الثمانينيات بالقرن الماضي، إلى 1.8 حالة ولادة للمرأة في العام الماضي، وهي نسبة تقل حتى عن معدلات الولادة للمرأة البريطانية التي تصل إلى 1.9 حالة ولادة للمرأة.
وكانت إيران خلال العقد الأول من “الثورة الإسلامية” قد شهدت قفزة كبيرة في الولادات، لكنها اتجهت لتصبح مجتمعاً عجوزاً خلال العقود التالية مع ارتفاع معدلات الطلاق وانخفاض معدلات الولادة.
وبينما بلغت نسبة النمو السكاني في إيران خلال عقد الثمانينات نحو 4%، تراجعت حالياً لتصل إلى واحد بالمائة فقط، وهي نسبة تزيد قليلاً على مثيلتها في بريطانيا التي سجلت 0.7 بالمائة.
وباختصار فإن الشباب الإيراني الذي تأثر بالأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلاده جراء الإنفاق على معارك خارجية تخوضها أطراف أخرى، كما في العراق وسوريا وحزب الله في لبنان والمتمردون الحوثيون في اليمن، ونتيجة للعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، لم يعد معنياً بإنجاب المزيد من الأطفال.
حياة مزدوجة
فالزوجان الشابان شيرين، وهي في العشرينيات من عمرها، وحسين (في الثلاثينيات من العمر)، لم ينجبا أطفالاً، وهو حال كثير من أصدقائهما.
وتقول شيرين، إن من بين معارفها من المتزوجين، ثمة عائلة واحدة لديها طفل واحد فقط، مضيفة “بالنسبة لي القضية الأساسية للإنجاب هي المسؤولية.. إنه لمن الرائع أن يكون لديك طفل، لكن ليس الآن، ليس في هذا المجتمع.. ليس في إيران.. فالظروف الاقتصادية والاجتماعية ليست كما ينبغي أن تكون عليه الحال”.
ومخاوف شيرين تتجاوز الكفاح في الحياة وبلوغ مستوى معيشي في دولة تعاني من العقوبات الاقتصادية وسوء الإدارة والفساد، ناهيك عن تسلط حكم رجال الدين، بحسب ما نقلت عنها صحيفة “تليجراف” البريطانية.
وبالإضافة إلى ذلك، عبرت شيرين عن خشيتها من أن إنجاب طفل في مجتمع يعيش حياتين منفصلتين، واحدة داخل المنزل والأخرى خارجه، ربما يفرض محاذير كثيرة، خصوصاً إذا كان الطفل في المدرسة حيث يتعين عليه أن يلتزم بقوانين محددة تتناقض في كثير من الأحيان مع الوضع في المنزل.
وضربت مثالاً أنها وزوجها يمكنهما أن يتابعا قنوات تلفزيونية محظورة، وهو ما لا يمكن لطفل أن يتابعه لأنه قد يعرض العائلة للخطر في حال تحدث عن مثل هذا الأمر خارج المنزل، منوهة إلى أنها تستطيع أن ترتدي قناعاً آخر خارج المنزل بخلاف الطفل.
زواج تحت الضغط
وتسعى السلطات الإيرانية حالياً إلى تمرير القانون رقم 446، المطروح أمام البرلمان، وينص على حظر التعقيم الاختياري وينهي كافة أشكال الدعم الحكومي لتنظيم الأسرة.
من ناحيته، يجبر قانون “تبجيل الأسرة” كل الكيانات في القطاعين العام والخاص على التمييز ضد العازبين في سوق العمل.
وتقول المادة التاسعة من القانون إن الحكومة وقطاع الأعمال على السواء ينبغي عليهما توظيف العازبين فقط، في ظل غياب الأشخاص المؤهلين من المتزوجين.