نون والقلم

«داعش» وتطور نظرية صدام الحضارات

ضمن البحوث المنتظمة التي يجريها الخبراء في الغرب، وهم يتابعون بالتحليل ظواهر مستجدة في الحياة السياسية في العالم، طرح بعضهم هذا السؤال: هل أدى فشل دعوة صدام الحضارات، لإشعال مواجهة بين الغرب والدول الإسلامية العربية، إلى تطوير الفكرة واستبدالها بصدام إقليمي، ينطلق من داخل الدول العربية؟
ودعوة صدام الحضارات كان المفكر الأمريكي صمويل هنتنغتون قد أطلقها، متوقعاً صداماً بين الغرب وما وصفه بالحضارة الإسلامية، وذلك في مقال بمجلة «فورين أفيرز» عام 1991، ثم أعاد صياغة دعوته بتوسع في كتابه «صدام الحضارات»، الصادر عام 1996.
وفي تحديد لما كان يقصده هنتنغتون بالحضارة الإسلامية جغرافيا، فإن المفكر بيير هاسنر، الذي دخل معه في مناظرة في عام 1997، قال: بالرغم من صياغة هنتنغتون نظريته، متوقعاً صداماً بين الغرب والحضارة الإسلامية، إلا أن النص المكتوب يظهر أنه ضد العرب بالتحديد. فإن تعبير الحضارة الإسلامية، ارتبط تاريخياً بالعرب، سواء في الأندلس أو في غيرها.
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» في مناقشتها لكتاب صدام الحضارات، قد ذكرت أن توصيات هنتنغتون تبدو مثل دعوة لحرب عالمية ثالثة، وليست وصفه لمستقبل آمن ومستقر. وتساءلت الصحيفة: هل كان هنتنغتون يريد حرباً عالمية ثالثة؟
ومن جانبه فسر البروفيسور جاكوب هيلبون أستاذ العلوم السياسية، دعوة صدام الحضارات، بأنها تعبر عن إدراك من أطلقها، بتراجع قوة أمريكا في العالم، وبأن سياستها الخارجية أصبحت متناقضة، وأن الولايات المتحدة يمكن أن تفقد وضعها كمركز إلهام حضاري للعالم، في مواجهة صعود قوى إقليمية تستعيد روحها القومية، وهو ما ينتهي لاستفزاز مشاعر الدول الغربية، وإثارة مخاوفها، مما اعتبره هنتنغتون خطراً إسلامياً، وبالتالي يتماسك الغرب في كتلة واحدة، تعمل على ضمان بقاء النفوذ الغربي عالمياً، في منطقة لها فيها مصالح استراتيجية عليا.
في الوقت نفسه ترددت في الغرب آراء لدارسين، ترى أن تنظيم «داعش» يمارس لعبة تفتيت الدول من داخلها، وإشعال حروب عرقية، ودينية وطائفية، في صورة لا تختلف كثيراً عن دعوة صدام الحضارات، خاصة وأنها تحدث استفزازاً لدى شعوب الغرب، حتى تصل إلى خلق موقف عدائي منها تجاه المسلمين، والقادمين من بلاد إسلامية.
وإن كانت القيادات المسؤولة في الغرب تقف ضد مثل هذا التطور، وتأكيدها على أن الإسلام دين سلام، وأن إرهابيي «داعش» لا يعبرون عن الإسلام.
وهو ما أشار إليه الرئيس الفرنسي هولاند عندما قال إن الإرهابيين يريدون إحداث انقسام فيما بيننا، وسوف يصيبهم الفشل. فهم طائفة الموت Cult Of Deathونحن نحب الحياة.
إن إرهاب «داعش» يرتدي رداء خادعاً يوحي زوراً بأنه يمثل الإسلام، مدفوعاً بتخطيط من قوى تسعى لإشعال صدام بين الغرب وبين دولنا.
وكل هذا يقدم أدلة تتوالى، تؤكد أن «داعش» تنظيم يقوده عملاء، ينفذون حرفياً سياسات، سبق أن كانت قد شغلت قوى خارجية، كان همها إشعال حرب عالمية، تستهدف في جانب أساسي من أهدافها ضرب العالم العربي وإخضاعه. ولا ينفصل عن هذا ما ينشر في أمريكا وأوروبا، من كتابات موثقة، تكشف عن العلاقة الوثيقة بين أبو بكر البغدادي، وتنظيم «داعش»، والمخابرات المركزية الأمريكية.
لهذا لم يكن من قبيل التخمين، أو الاجتهادات غير المستندة إلى شواهد ووقائع، التساؤل الذي طرحه مفكرون وخبراء الغرب: هل كان فشل دعوة صدام الحضارات، سبباً وراء تطوير الفكرة، واستبدالها بصدام يقوده تنظيم «داعش» الإرهابي؟

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى