يُفترض أن تبدأ في جنيف اليوم جولة جديدة من مفاوضات السلام السورية، وأكتب قبل بدئها وأغامر وأقول إنها ستفشل ككل جولة سابقة، ثم أزيد أن طغيان الموضوع السوري على الأخبار من المنطقة يغطي على تحوّل تركيا تدريجياً إلى دولة حزب واحد، هو حزب العدالة والتنمية، ورئيس واحد أو أوحد، هو رجب طيب أردوغان.
إقرأوا معي: مدن بكاملها ومناطق تحت الحصار. الدبابات تهدر في شوارع ضيقة وقد أغلِقَت بحواجز وأنفاق. السكان محصورون داخل بيوتهم أسابيع بسبب حظر التجول، والذين يغامرون بالخروج يتعرضون لخطر القنّاصة. جثثهم تُترَك في الشوارع أياماً قبل جمعها. الرصاص يخترق زجاج النوافذ والمباني تتساقط بسبب القصف، وتقتل الذين يحاولون طلب الأمان داخل بيوتهم.
ما سبق كتبه عبدالله دمرباس، الذي كان رئيس بلدية منطقة سور في ديار بكر بين 2004 و2014، ومقاله كله من هذا النوع، فالأتراك جميعاً يدفعون ثمن المواجهة بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني.
لو كان مقالاً واحداً لما كنت صدقته، إلا أنني في الوقت نفسه قرأت في مجلة انكليزية: تركيا أصبحت أقل ديموقراطية وأكثر دولة حزب واحد متشنجة. إذا لم تصدق هذا الكلام أنظر الى مصير الذين يلفتون النظر الى تقصير الحكومة وجرائمها. كبار المحررين في جريدة «جمهوريت» الوسطية اليسارية يكتبون افتتاحياتهم من السجن منذ تشرين الثاني (نوفمبر). وقد أصدرت جمعية الصحافة في أزمير هذا الشهر بياناً يدّعي أن 31 صحافياً تركياً في السجن وأن 234 آخرين يواجهون المحاكمة، وقد أغلِقَت السنة الماضية 15 محطة أخبار ورُفِض طلب 56 صحافياً تسليمهم بطاقات اعتمادهم كصحافيين عاملين.
الولايات المتحدة نفسها أعلنت قلقها من مدى التزام تركيا الديموقراطية وحرية الكلام وحضّت السلطات التركية على صون حق كل مواطن في تركيا بممارسة الحريات الديموقراطية. والناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر انتقد التهم الموجهة إلى صحافيين عاملين في جريدة «جمهوريت» وقال إن بلاده قلقة جداً من هذه التطورات. هو لاحظ أن صحافيين اعتُقِلوا أو سُجِنوا قبل أن يُحاكموا.
ما سبق لم يمنع نائب الرئيس الأميركي جو بايدن من أن يقول إن الولايات المتحدة وتركيا مستعدتان لحل عسكري ضد «الدولة الإسلامية» المزعومة في سورية إذا فشلت الحكومة السورية والثوار في الوصول إلى تسوية سياسية.
تصريح بايدن أثار ضجة، ومسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية اضطروا إلى الإيضاح، وقالوا إن بايدن كان يتحدث عن حل عسكري للدولة الإسلامية المزعومة وليس سورية كلها.
بايدن يصرح وفي تركيا تواجه «سي إن إن تركيا» احتمال المحاكمة بزعم أنها «أهانت الرئيس» بعد أن وُصِف في خبر بأنه «دكتاتور». هذا الكلام استمر ثواني معدودات، ولكن الموقف الحكومي يعني أن يسمع به كل الناس بعد أن كان مرَّ بسرعة ومن دون اهتمام به.
كنت رحبتُ يوماً بوصول رجب طيب أردوغان إلى الحكم، وقدَّرتُ مواقفه من حصار غزة الى الأمم المتحدة في نيويورك الى دافوس والمنتدى الاقتصادي العالمي، ثم استضافة مئات ألوف اللاجئين السوريين. إلا أنه تغيّر، فالرجل الذي قاد نهضة اقتصادية تركية غير مسبوقة في العقد الماضي تحوّل تدريجياً الى سلطان، لا يرى غير رأيه، ولا يقبل نقداً أو معارضة.
والمشكلة مع أردوغان ليست تركية فقط، فإذا لم يعد الرئيس كما بدأ فإن دول المنطقة كلها ستدفع الثمن مع أكراد تركيا وسورية.