أشارت إحصائية فلسطينية إلى أن الأراضي الفلسطينية هي الأغلى في العالم في أسعار المواد الغذائية، حيث تقتطع سلة الغذاء ما نسبته 86 في المئة من الراتب للموظف، وهذا الارتفاع يرجع أساساً إلى تبعية الاقتصاد الفلسطيني الضعيف الذي يبلغ حجمه ثلاثة مليارات دولار للاقتصاد «الإسرائيلي» الذي يبلغ حجمه 250 مليار دولار مع عدم أخذ الفارق في الدخل بعين الاعتبار. فمتوسط الدخل الشهري للعامل في الكيان «الإسرائيلي» هو 2000 دولار فيما معدل دخل العامل في الأراضي الفلسطينية «لا يزيد عن 300 دولار في أحسن الأحوال.
وهذا ليس في صالح المستهلك الفلسطيني لأنه يدفع الأجور والأثمان نفسها التي يدفعها «الإسرائيلي» سواء عند شراء الأغذية أو الماء أو الكهرباء أو السلع الأخرى، لأن الصادرات والواردات الفلسطينية تتم عن طريق الموانئ والمعابر الخاضعة ل«إسرائيليين» وهي تحدد قيمة الضرائب وليس السلطة الفلسطينية. كما أن القوانين “الإسرائيلية” تحمي المزارع والمنتج «الإسرائيلي» من المنافسة الخارجية وحتى الفلسطينية، وتحظر استيراد أغذية ولحوم من الخارج وتمنع دخول منتجات فلسطينية غذائية إلى الأسواق «الإسرائيلية» فيما تشجع إدخال منتوجات غذائية «إسرائيلية» إلى الأسواق الفلسطينية سواء الزراعية أو الصناعية. ولعل ارتفاع أسعار الأغذية في الأراضي الفلسطينية يرجع أيضاً إلى إهمال القطاع الزراعي الفلسطيني وعدم وجود خطة داعمة لهذا القطاع من حيث مساعدة المزارعين والفلاحين في استصلاح الأراضي وزراعتها وتسويق الإنتاج داخلياً وخارجياً.
كما أن اتفاق باريس الاقتصادي منع حتى الآن قيام شركات صناعية إنتاجية فلسطينية بهدف التصدير، كما قيد قدرة الإنتاج الفلسطيني على المنافسة بسبب قيود وعقبات التصدير حيث يتحكم الاحتلال بالتصدير والاستيراد ويخضع الصادرات والواردات الفلسطينية لفحوص أمنية شديدة تؤخر إخراجها من الموانئ بهدف دفع ضريبة أكبر للميناء.
القطاع الزراعي الفلسطيني يعاني الإهمال وسيطرة الاحتلال على أكثر من ستين في المئة من مساحة الضفة، وإطلاق أيدي المستوطنين في زراعة الأغوار والمنطقة المسماة «سي» وحجب المياه عن المزارعين الفلسطينيين. فقد نمت في الأغوار سلسلة مزارع استيطانية تركز على النخيل وهي عبارة عن مكافأة نهاية خدمة لكبار الضباط «الإسرائيليين» المتقاعدين، حيث تم تسييج مساحات واسعة من الأراضي الخصبة المحاذية لنهر الأردن بحجة أمنية، ومنحت للمستوطنين الذين زرعوا النخيل واستحوذوا على بقايا مياه النهر والآبار الارتوازية والينابيع ومياه المجاري لري مساحات واسعة من النخيل والدفيئات الزراعية، وحظي المستوطنون بأسواق عالمية وعربية لتسويق إنتاجهم خاصة من تمور النخيل بينما المزارعون الفلسطينيون يواجهون ظروف الحياة والزراعة وحدهم ولا يجدون أسواقاً خارجية لتسويق إنتاجهم بل يجدون إنتاج المستوطنين ينافسهم بسبب الدعم اللامحدود الذي يحظى به المستوطنون من حكومة الاحتلال وإدارته العسكرية للضفة.
فالسيطرة على الأرض من قبل الاحتلال ومنعه المزارعين الفلسطينيين من زراعة أراضيهم في الأغوار أو الضفة أي المنطقة المسماة “سي” جعل الإنتاج الزراعي في أسوأ حالاته وكذلك منع استيراد اللحوم الحمراء من الخارج، ومطاردة رعاة الأغنام في مضاربهم في الأغوار وجبال الضفة أدى إلى ارتفاع أسعار اللحوم حيث بلغ سعر الكيلوغرام الواحد 20 دولاراً وهو الأعلى في العالم، إضافة إلى إحراق محاصيل الحبوب شرق نابلس وطوباس والأغوار، كلها أسباب أدت إلى ارتفاع سلة الغذاء. يضاف إلى ذلك الآن قلة الأيدي العاملة في القطاع الزراعي بسبب فتح المجال أمام العمال للعمل داخل الكيان ما أدى إلى إهمال الأرض أيضاً، وحتى الإنتاج الرئيسي وهو الزيتون يعاني الكساد لانعدام تسويق الزيت الفلسطيني، بحيث إن المزارع لا يقوى على جمع محصوله بسبب ارتفاع كلفة الأيدي العاملة وانخفاض سعر الزيت إلى أقل من مئة دولار للصفيحة الواحدة سعة 15 كيلوغراماً.
تنشيط القطاع الزراعي الفلسطيني والعناية بالأرض وتحدي الاحتلال في المنطقة المسماة «سي» بات واجباً وطنياً تتفاداه الحكومات الفلسطينية المتعاقبة لأنه يضعها في صدام مع الاحتلال، وأذكر أنني لاحظت ذلك عند الإعلان عن أول ميزانية فلسطينية في التسعينات، حيث لم يتم رصد أي مبلغ لوزارة الزراعة، وظل الأمر كما هو عليه لفترة، لكن العناية بالزراعة تعني العناية بالأرض وتوفير الأموال لشق الطرق ودعم الفلاحين ورعاة الأغنام وتوفير الأسواق إلخ. وهذه كلها لا توضع في حسابات رسمية مطلقاً. فالتحدي الآن هو مقارعة الاحتلال بزراعة الأرض وحمايتها ودعم صمود الفلاحين وتقديم الدعم لهم في مواجهة قطعان المستوطنين، وكذلك الآفة التخريبية الجديدة وهي انتشار الخنازير البرية بكثرة وهي تقضي على المحاصيل وتجرف التربة وتعمل على تصحر الجبال.
والمفارقة هنا أنني كنت على سفر إلى عمان قبل أسبوعين فوجدت الباعة على الطرق في منطقة الشونة الأردنية يعرضون صندوق البندورة بدينار ونصف الدينار وزن 8 كيلوغرامات، بينما كان سعر الكيلوغرام الواحد في أريحا دينارين… ولك أن تتخيل الفرق.
32 3 دقائق