كيف يمكن للأردن أن يبدد مشاعر القلق جراء احتدام المواجهات العسكرية بين الجيش السوري والمعارضات السورية في الجنوب؟ … تعددت الإجابات للرد على هذا السؤال، بتعدد المراقبين والمحللين الذي تصدوا لمعالجة تداعيات “مرحلة ما بعد الشيخ مسكين” على أمن الأردن واستقراره، لكنها التقت عن أمرين اثنين: الأول، الإجماع على القول بأن “لا بد من موسكو وإن طال السفر”، والثاني، تفضيل استعادة “الستاتيكو” جنوباً، حتى لا تشتعل الأضواء الحمراء في غرف عمليات عمان، في مواجهة تفاقم التهديد الإرهابي واستئناف موجات اللجوء السوري إلى الأردن. وفي تحليل للأمرين موضع الإجماع، نرى أن “الذهاب إلى موسكو” هو خيار صحيح، تمليه الضرورة و”الأمر الواقع” في سوريا، أما حكاية “حفظ الستاتيكو”، فتلك أقرب إلى التمنيات أو ضرب من “التفكير الرغائبي”، فما الذي سيمنع النظام وحلفاءه، من استثمار “نافذة الفرص” وبسط سيطرة قواته على الجنوب، إن توافرت لذلك أسباب النجاح، وما الذي سيجبر دمشق، على إعطاء الأولوية لأمن شمال الأردن وتقديمها على استعادة جنوب سوريا؟ حفظ “الستاتيكو” ليس عرضاً يمكن تقديمه لأحدٍ من “المحور الآخر”، إن جاز الحديث هنا بلغة المحاور … روسيا دخلت سوريا، وألقت بكل ثقلها خلف النظام، من أجل تعزيز بقائه وبسط سيطرته على المناطق التي خرجت من تحت عباءته، والنظام في أسوأ مراحل الأزمة السورية، لم يرفع الراية البيضاء جنوباً، حتى أن حلفاءه، لطالما سعوا في إحداث الانقلاب في موازين القوى في هذه المنطقة، قبل التدخل العسكري الروسي، وبالأخص بعده. ما الذي سيقوله الجنرال مشعل الزبن في موسكو؟ … نطلب إليكم استعادة الهدوء إلى درعا وجوارها، وهل كان الهجوم الكثيف للجيش السوري، أن يتم على النحو الذي جاء عليه، من دون تخطيط مشترك مع موسكو؟ … وهل يمكن النظر إلى محاولات موسكو – طهران – دمشق – الضاحية الجنوبية، تحقيق تقدم على محاور ميدانية، من أقصى شمال غرب اللاذقية، إلى شمال شرق حلب، وصولاً إلى “الجبهة الجنوبية”، بمعزل عن عملية فيينا – نيويورك – جنيف، حيث تسعى الأطراف لتجميع كل ما يمكن أن تصل إليه من أوراق قوة لاستخدامها على مائدة المفاوضات والمقايضات؟ نحسب أن ثمة سيناريو آخر، يمكن أن يخدم على نحو أفضل مصالح الأردن وأمنه واستقراره، كنا تطرقنا إليه أكثر من مرة، وبالأخص بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا … سيناريو يعتمد الفرز بين غث الجماعات المسلحة في الجنوب عن سمينها، ويسعى في تسهيل “المصالحات الوطنية” بين الفصائل الوطنية والمحلية (المصنفة معتدلة) من جهة والنظام من جهة ثانية، بالاعتماد على مساعدة الوسيط الروسي لإتمام هذه العملية، فتتراجع حدة المعارك والمواجهات، وتتقلص تداعياتها، وتُختصر جبهة “الأعداء” في الجنوب، في التنظيمات المصنفة إرهابية عن استحقاق. تسهيل المصالحات الوطنية، أمرُ ممكن، وقد يكون مدخلاً لدور أردني يحفظ مصالح الأردن على حدوده الشمالية … وقد يشكل توطئة ضرورية لإعلان “مناطق آمنة توافقية”، وبضمانة روسية، تساعد المنظمات الأممية والإنسانية لتقديم العون والمساعدة للسوريين على أرضهم، قبل أن يصبحوا لاجئين، وحتى لا يصبحوا لاجئين في الأردن، بل وقد تساعد على تشجيع بعض اللاجئين المقيمين بين ظهرانينا على اختبار “حق العودة”، وقد تمهد لفتح طريق عمان – دمشق، وصولاً لبيروت، فينتهي بذلك الحصار المضروب على الأردن بقوة الأمر الواقع، وسيطرة المليشيات على مقاطع مهمة من الطريق الدولي. مثل هذا السيناريو، يمكن تسويقه على النظام وحلفائه، ودائماً عبر البوابة الروسية، ولا احسب أنه سيلقى معارضة من قبل خصومه، اللهم باستثناء التيار الذي باتت مواقفه المناهضة للعملية السياسية مكشوفة ومفضوحة، وتلقى الاستهجان من قبل المجتمع الدولي، ومن حسن طالع الأردن، أن هذا التيار الإقليمي، وامتداداته المحلية في جنوب سوريا، ليست له “اليد العليا”، وهو ليس صاحب نفوذ مقرر. الطريق إلى تأمين مصالح الأردن وحفظ أمنه واستقراره على الجبهة الشمالية، بات يمر بموسكو، هذا صحيح …. لكن الصحيح كذلك أن حفظ “الستاتيكو” ليس خياراً يمكن طرحه جدياً على موائد البحث والتفاوض … والبديل عن هذا الخيار، يوجب التفكير من “خارج الصندوق”، ويمكن أن يقودنا إلى دور في تسهيل “المصالحات الوطنية” توطئة لعزل الجماعات الإرهابية وتصفيتها، وصولاً إلى “المناطق الآمنة التوافقية”، وإن نجحنا في ذلك، نكون قدمنا خدمة جليلة لمسار فيينا – جنيف، وللجهود الرامية لمحاربة الإرهاب وحل الأزمة السورية سياسياً. –