نون والقلم

الإمارات والمواطنة السعيدة

من حق الإمارات أن تفتخر بمواطنيها، ومن حق مواطنيها أن يفتخروا بدولتهم. وهذا الفخر يعبر عن نفسه بالانتماء والمواطنة التي تحكم العلاقة بين الدولة ومواطنيها. وهذا المعيار هو أساس نجاح أي دولة، ونجاح الحكم فيها.
وتحضرني هنا عبارة للرئيس الأمريكي الأسبق جون كيندي عندما تولى الرئاسة مخاطباً الأمريكيين: اسألوا أنفسكم ماذا يمكن أن تقدموا لأمريكا؟. هذا السؤال لا وجود له في دولة الإمارات، فحكام الدولة لم يسألوا المواطنين ماذا يمكن أن يقدموا لدولتهم، وأن يفتخروا بها، فالدولة قامت بكل مسؤولياتها وواجباتها نحو مواطنيها، وجعلت من بناء الإنسان والاستثمار فيه هدفها الأعلى، وهذه السياسة التي وضع أسسها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد، الذي كان قريباً من مواطنيه يستمع إليهم مباشرة، مطبقاً أرقى صور الديمقراطية المباشرة، بفتح أبواب السلطة أمام كل المواطنين، ووفر لهم كل مقومات الحياة السعيدة. وكانت أكبر التحديات التي واجهت عملية بناء الدولة، هي خلق دولة المواطنة الواحدة. وأساس هذه الدولة الانتماء والولاء، والمشاركة السياسية في صناعة حاضر ومستقبل الدولة، والتمتع بمنظومة متكاملة من الحقوق والحريات السياسية والمدنية، وتبني مفهوم جديد لماهية الدولة والحكم.
هذا المفهوم ترسخ وجوده في الحفاظ على التقاليد السياسية الراسخة للدولة، فلم يقم على الإلغاء بل على الدمج للبنية المجتمعية القبلية، فقد حافظ على القبلية في إطار مؤسسات الدولة الحديثة، وقام الحكم على الرشادة والأداء والإنجاز، فالحكم ليس مجرد حق، بل هو واجب وأداء ورؤية متواصلة بين القيادة الحاكمة وبقية المواطنين. ولكي تصل الدولة إلى دولة المواطنة الواحدة كان لا بد من رؤية شاملة مستقبلية لما ينبغي أن تقوم عليه الدولة، ودورها الحضاري، وكانت جذور هذه الرؤية التي وضع ورسم إطارها العام المغفور له الشيخ زايد، الذي آمن بأن الاستثمار في الإنسان هو الدعامة الرئيسية لدولة ناجحة قادرة على التواصل والإنجاز، الإنسان أساس القوة، والقادر في الوقت ذاته على إنتاج القوة. ومن هنا كان تبني مفهوم الدولة التنموية أولاً، الدولة التي يشعر المواطن بأنها ملك له. وهذا مفهوم جديد في هذه الرؤية للملكية العامة للدولة ومؤسساتها من قبل مواطنيها. وهو أساس الانتماء والولاء للدولة. وكانت المشاريع الاستثمارية في البنية التحتية، وفي كافة مجالات الحياة التنموية من إسكان وتعليم وصحة.
والهدف هنا واضح هو خلق البيئة الحاضنة والمبدعة، وأساسها البيئة السياسية الصالحة والرشيدة، وهو ما تبنته وعملت على توسيعه ونشره القيادة الحاكمة في الدولة، التي عملت على تطوير وتوسيع رقعة هذه الرؤية السياسية التي استمدت مقوماتها الناجحة من الرؤية الشخصية للحاكم ومدركاته وتصوراته لدور الدولة في الداخل والخارج، ومن التقاليد الاجتماعية والتاريخية للدولة، ولمكانتها في العالم الذي هي جزء منه، عرفت ما تريد وعرفت دورها، وأدركت أن ذلك لا يتحقق إلا بالمواطن المنتمي السعيد القادر على العطاء والبناء والتضحية، وعلى مدار هذه السنوات من العطاء والبناء والاستثمار الذي قدمته الدولة والقيادة الحكيمة جاءت مرحلة العطاء التلقائية والذاتية للمواطن، وهي مرحلة مخرجات التفاعل والاستثمار في هذا الإنسان. ومن هنا نرى التضحية التي قدمها المواطن دفاعاً عن قيم دولته، وبالمساهمة والمشاركة في كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، بمفهوم جديد تقوم عليه المواطنة هو الحب والعطاء والتضحية. فالسعادة هنا ليست فقط ماذا يأخذ المواطن، وماذا يقدم له من خدمات، بل ماذا يمكن أن يعطي لدولته ومواطنيه. وهذا يعرف بمبدأ الشراكة السياسية، الذي يعتبر أحد أهم أسس الحكم الرشيد. فمعايير السعادة ومؤشراتها كثيرة:
أهمها مؤشر الرفاه الاجتماعية والذي يعني التمتع بمستوى عال من كافة الخدمات في كافة المجالات، وهنا حجم الاستثمارات في الإسكان والتعليم والصحة والزواج واضح في موازنات الدولة، ويحتل رقماً عالياً. ثم مؤشر الحقوق السياسية والمدنية، وتتوفر منظومة متكاملة من القوانين التي تضمن للمواطن التمتع بكافة الحقوق التي يتمتع بها المواطن في الدول المتقدمة، ودول الرفاه كما في الغرب. وكذلك مؤشر الاستقرار والسلم الاجتماعي، بمعنى تضاؤل نسبة الجريمة الداخلية لانتفاء أسبابها ومسبباتها الاجتماعية والاقتصادية، ومؤشر التكافؤ بين الجنسين، وهذا واضح في الفرص ذاتها التي تمنح للمرأة التي فتحت لها أبواب العلم، وتقلدت أعلى المناصب بما فيها رئاسة السلطة التشريعية. ومؤشر الديمقراطية وهو ما يشير إلى مفهوم الحكم الرشيد والمشاركة السياسية وتقلد المناصب السياسية العليا من قبل كافة المواطنين دونما تمييز.
ومن المؤشرات المهمة التي تحقق السعادة هي السياسة الخارجية لدولة الإمارات والتي تقوم على التوازن، ولعل أبرز ما في هذه السياسة البعد الإنساني بما تقدمه الإمارات من مساعدات إنسانية فاقت المئة مليار درهم. هذه المؤشرات هي التي جعلت دولة الإمارات تحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية في مؤشر الدول السعيدة. ومن بين الدول العشرين على المستوى العالمي.
إنه نموذج جدير بالاقتداء في مجال الدولة السعيدة والمواطن السعيد للدول العربية ودول العالم الثالث.

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى