أينما تذهب هذه الأيام تسمع أحاديث عن النفط، ويسألونك عن الأسعار وانهيارها، حتى سائق التاكسي يشغله البترول، بل وصل به الأمر إلى التحليل والتفسير والحديث عنه وكأنه خبير ومحلل في شأن الخام وملفات الإنتاج والأسعار.
حديث السائق و العديد من أصحاب المهن الأخرى ليس لأن هذه السلعة استراتيجية وعماد التنمية في كثير من الدول، ولكن لكثرة ما تم تداولها في الإعلام في الأسبوعين الماضيين، ولكونها تؤثر في مختلف جوانب الحياة والأعمال لجهة المخاوف من أن يؤدي انهيار الأسعار إلى وقف الإنفاق وإلغاء المشاريع وفقدان الوظائف وتأثر المبيعات والخدمات وتقلص العائدات والأرباح.
المخاوف السابقة مشروعة في كثير من الدول المنتجة للبترول، لكن شرعيتها أقل في دولة مثل الإمارات فهي لا تستند في خططها وتنميتها وإنفاقها إلى تغيرات وقتية لأسعار النفط، ولا تعتمد أيضاً على النفط وحده لتمويل هذه الخطط وإنما على استثمارات ضخمة بنتها على مدار العقود الماضية، بينما هذه السلعة على أهميتها لا تشكل إلا 30 في المئة من ناتجها الإجمالي.
النفط بالنسبة لدولة الإمارات مكون مهم في اقتصادها لكنه ليس أساسياً، فهناك عشرات القطاعات المشكلة للاقتصاد غير المرتبطة بالنفط التي من شأنها أن تضمن نمواً مستداماً قادراً على نقلها إلى مرحلة جديدة بما في ذلك الصناعة والتجارة والخدمات والمال والأعمال والسياحة والطيران والعقار والمعرفة والتقنية.
ورغم كل هذه الأسس التي ينهض بها وعليها الاقتصاد الوطني إلا أن الإمارات لا تقف مكتوفة الأيدي أمام متغيرات سوق النفط العالمية والاهتزازات التي تعتريها بين الحين والآخر، فهي تستعد مجدداً لنقلة إضافية في اقتصادها وقد أعلنت عن خلوة وزارية تشترك فيها الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية للبحث عن قطاعات جديدة غير موجودة حالياً تشكل بدائل جيدة لاقتصاد ما بعد النفط.
ندرك أن أسعار النفط تمر الآن بأسوأ أيامها منذ أكثر من عقد من زمن، لكن علينا أن نكون على يقين من أن تشوهات أسعار الخام الحالية هي «ظرفية» بسبب تجمع عوامل في وقت واحد، وبالتالي فإنها حالة مؤقتة ستزول تدريجياً بزوال تلك العوامل أو بعضها بما في ذلك القدرة على الإنتاج وارتفاع الطلب العالمي واتفاق المنتجين من داخل «أوبك» وخارجها.
عامل واحد هو تراجع مخزونات النفط الأمريكية بكميات محدودة رفع أسعار الخام 13 في المئة خلال يومين فقط وأعاد البرميل إلى 32 دولاراً بعد أن وصل إلى 27 دولاراً وسط الأسبوع، فماذا ستكون الحال لو تم تخفيض الإنتاج مليون أو مليوني برميل يومياً من قبل دول المنظمة والمنتجين خارجها؟ من المؤكد أن الأسعار ستتضاعف مرة أو أكثر عن مستواها الحالي.
النفط نعمة في ازدهاره وأيضاً نعمة في انخفاضه، حيث الفرصة «المؤجلة» تصبح مواتية لإحداث إصلاحات هيكلية في تركيبة الإنفاق والقضاء على الهدر وإصلاح التشوهات التي تعتري مفاصل بنية الاقتصاد ليصبح سليماً معافى قادراً على تحقيق التنمية المستدامة التي تعتمد على الإنسان والتقنية والمعرفة.