الأخبار

محمدأحمد: عندما نصدر العلم ستتحسن صورتنا أمام الأخر

 

الإعلام الغربي والإسلام، إصدار جديد، عن مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام، للكاتب الموريتاني  محمد أحمد محمد علي، المشغول علي مدار مسيرته العلمية بهذه القضية الشائكة، في ظل الأجواء الملتبسة بين الشرق والغرب، بسبب ظهور تيارات التطرف المحسوبة علي الاسلام.

التقينا بؤلف الكتاب.. وكان هذا الحوار..

..ما هي الدوافع الرئيسية لتأليف هذا الكتاب؟

ـــــيمكن تقسيم هذه الدوافع إلى هواجس عامة غير مباشرة، ودوافعمباشرة. فأمَّا الهواجس المزعجة التي دفعتني إلى تأليف الكتاب، فهى أنني كنتُ أحمل همَّ هذه الأمة التي كانت في يوم من الأيام عظيمة ثمَّ تقهقرت منذ القرن الخامس عشر الميلادي واستمرَّت في تقهقرها، بينما الآخر الغربي الذي كان متخلفا في القرون الوسطي وظل نائما خاملا حتى استيقظه العرب والمسلمون من سُباته، وأخذ منهم العلم والأدب والمعرفة لنهضته، تقدَّم واستمرَّ في التقدم حتى اليوم. فهذا هاجسٌ مزعجٌ.

أمَّا الدوافع المباشرة، فهي ما نراه الآن من هجمة أو حملة غربية على العرب والمسلمين حتى صُيِّروا غيرَ منتمين إلى عالم البشر، ورُبِطُوا بالإرهاب والعنف، الذي تمارسه شرذمة قليلة لا تمثلهم. فهذه الحملةُ غيرُ خافية على أحد، حتى على أمثالي مِن الذين لا يؤمنون بنظرية المؤامرة. وفي سنة 2010م، قرَّر مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام تنظيم محاضرة عن «أزمة العلاقات العربية الغربية»، وكنتُ عضواً في لجنة المركز الثقافية، واخترنا أن يكون المحاضرُالدكتورَ برهان غليون أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة السوربون الجديدة في باريس. وكنت عادةً أعِدُّ رؤوسَ أقلام تساعد مقدِّمي المحاضرات الفكرية في تقديم مادتهم. فكتبتُ صفحة أو صفحتين في مجال العلاقات العربية الغربية. ولكن لم تُطلب مني تلك الأفكار فاحتفظتُ بها. لكنني أثناء ذلك وجدت أن هذه العلاقات تنطوي على صورة نمطية لا يمكن أن تعالج في محاضرة عابرة تنتهي وينتهي ذكرُها. فقرَّرتُ خوضَ مغامرة كبيرة للتنقيب عن هذه الصورة وبحثها. وكنتُ قد جمعتُ مادة كثيرة لموضوع قريب من هذا الموضوع ، وهو علاقات المسلمين بغيرهم في العصور الوسطى. ثُمَّ قرَّرت جمع المزيد من هذه المادة، لأنجز هذا العمل الذي لم يَرَ النور إلا قبل أسابيع.

..ماهي المدة التي استغرقتْإعداد الكتاب؟

ـــ يمكن الحديث عن أربع مراحل. في المرحلة الأولى جَمَعتُ مادَّة علمية غزيرة لموضوعِ الكتاب وموضوعاتٍ لكتبٍ أخرى نتمنى أن تنشر. وقد استغرقتْ هذه المرحلة سبع سنوات. وجمعتُ المادة من مصادر ومراجع في المكتبة الوطنية بأبوظبي، وهي مكتبة غنية بالمصادر والمراجع النفيسة والنادرة. وكذلك من مكتبتي الشخصية التي تحتوي على مراجع في موضوعات متنوعة تتدرَّج بين تاريخ الْمِلْح وتاريخ العِلْم. كنتُ أقرأ المصادر والمراجع وبيدي أوراق وقلم لتدوين الأفكار المهمة.

والمرحلة الثانية من إنجاز الكتاب هي مرحلة التأليف والصياغة. وقد استغرقت سنتين متقطعتين. وقد وضعتُ منهجاً واضحًا ودقيقًا لإنجاز العمل، ولعلكم اطَّلعتم عليه في مقدمة الكتاب. وهذه المرحلة هي مرحلة الإبداع والإنشاء؛ لأنني لا أريد أن أعيد كلام الآخرين، بل أريد تناولًا جديدًا لهذه المادة. ولا يعني الإبداع أن تُخرِج شيئًا من العدم، فذلك غير ممكن، وإنما يعني أن تضيف تفسيرًا أو أبعادًا جديدة إلى مادَّتكَ. وكنتُ في هذه المرحلة أستخدم ما أطْلَق عليه الأوائلُ “صيد الخواطر”، وهي أن تُدوِّن الأفكار والأشياء التي تخطر على بالك في الموضوع الذي يشغلكَ، وأنتَ في سيَّارة، أو سائرًا في الطريق على قدميكَ، أو مُمَدَّدًا على الفراش تنتظر النوم. فمعظم المبدعين والمبتكرين (وأنا لست منهم، ولكنني اقتديتُ بهم) استخدموا هذا المنهج، ومنهم ابن النفيس،ونيوتن، ثم الباحثون المعاصرون الذي يستخدمون هذا المنهج ومنهجًا آخر قريبًا منه، وهو ما يُعْرَف بـ”العصف الذهني”.

ثمَّ أتت مرحلة تصحيح الكتاب لغويًّا وعلميًّا، ولا أزعم أنني صححتُ جميعَ الأخطاء، فالعمل البشري لا يكمل أبدًا. وقد استغرقتْهذه المرحلةُ عِدَّةَ شهور، لتأتي بعدها المرحلة الأخيرة؛ وهي مرحلة إخراج الكتاب وتصفيفه. وهذه المرحلة عادةً لا ينشغل بها المؤلفون ولا يحملون هَمَّها،بل يتوَلَّاها المخرجون والمصفِّفون الفنيون. ولكن لحسن حظي أنني انخرطت في هذه المرحلة بحكم وظيفتي كمراجِع ومُحرِّر علمي ولغوي في المركز. وكان مخرِجُ الكتاب الأستاذ فوَّاز ناظم مبدعًا حقًّا. وكنتُ أنا إلى جانبه في كلِّ خطوة من خطوات الإخراج؛ لأنه شخصِيًّا كان يحرص على ذلك. ودامت هذه المرحلةُ عدةَ شهور، بسبب انشغال المخرج بمجلات المركز الدورية، التي لا تقبل التأخير.

وقد مكَّنتني هذه المرحلةُ وهذا التأخيرُ في إخراج الكتاب وتصفيفه من مراجعة لغوية وعلمية أخرى للكتاب، فكنتُ أضيفُ أشياءَ جديدة وأحذف أخرى. وأطلقتُ على هذه المرحلة أو  الْخُطَّة “عمل اليوم والليلة”. وقد أُعْجِب المخرج الأستاذ فواز بهذه التقنية الجديدة، بل قال إنه سيُطبِّقُها في أعماله وإبداعاته الأخرى. ومُقْتَضَى هذه الْخُطَّة أو هذا المنهج أن نلتقي -أناوالمخرج- يوميًّا أو بعد أيَّامٍ، حسب ما يجود به وقتُه. فإذا لم يكن عنده سوى دقيقة واحدة كنَّا نصحح فيها كلمة أو نضيف فكرة. المهمُّ ألا تضيع أيُّ لحظة يمكن استغلالها. وكانت هذه التقنية مُريحة نفسيًّا لي وللمخرج؛ لأننا كنا نشعر فيها بحرية مطلقةومرونة كاملة. ولا أُخْفِي عنكَ سِرًّا أنني تَمَكَّنتُ في هذه المرحلة من تحديث كثيرٍ من المعلومات وإدراج أحداثٍ جديدة تستجدُّ يوميًّا (مثل حادثي “شارلي إبدو” و”شابيل هيل”، إلخ.لقد كانت تقنية رائعة حقًّا، واستمتعنا بها كثيرًا.

..مانوعية المصادر التي استعنتَ بها؟

ــــ استعنتُ بمصادر كثيرة ومتنوعة شملت مصادر قديمة وحديثة عربية وأجنبية، وقد يظهر لكم ذلك عندما تُلقون نظرةًعلى قائمة المراجع التي أخذت 44 صفحة من الكتاب.

..هل يمكن أن نتعرَّف علي الحلول التي طرحتَها لتقريب وجهات النظر بين المسلمين والغرب.. لفكِّ الالتباس. بين الطرفين؟

ــ قلتُ فيمقدمة الكتاب إن هذا العمل المتواضع يبحث عن تشخيص الداء، دون أن يلتمس له  الحلول أو العلاج؛ لأن تشخيص المرض أحيانًا قد يكون أصعبَ من علاجه، لاسيما في موضوع الصورة النمطية التي تَراكَـمَت عبر 14 قَرْنًا. فالقضاء عليها يحتاج إلى جهودِ المؤسَّسات والهيئات والدول،ثُمَّ إلى الأبحاث العلمية والأموال، وهذا ليس بِوُسْعِ الأفرادِ. لكني مع ذلك اقترحت كثيرًا من الأمور التي تساعد في تصحيح صورتنا لدى الغرب وكذلك العكس: صورة الغرب عندنا. فأنا لستُ مؤمنا بنظرية المؤامرة، بل إنها لا تعنيني إطلاقًا. وأنتم إذا رجعتم إلى القرآن الكريم تجدونه يَحُثُّ على  العمل وتحمُّل المسؤولية، أي عدم ألقائها على الغير. قال الله تعالى: (مَاأَصَابَكَمِنْحَسَنَةٍفَمِنَاللَّهِوَمَاأَصَابَكَمِنسَيِّئَةٍفَمِننَّفْسِكَ)؛ وقال: (إِنَّاللَّهَلَايُغَيِّرُمَابِقَوْمٍحَتَّىيُغَيِّرُوامَابِأَنفُسِهِمْ)؛ وقال جلَّ من قائل: (إِنتَكُونُواتَأْلَمُونَفَإِنَّهُمْيَأْلَمُونَكَمَاتَأْلَمُونَ).

فنظن أنَّأُمَّتنا يجب أن تثق بنفسها لكي تستطيع أن تواجه التحديات الداخلية والخارجية. فهذه الثقة بالنفس هي مفتاح التقدم والنهضة. وقد قلتُفي الكتاب إن الإنفاق السخي على التعليم النوعي والبحث العلمي ضروري لنهضتنا، حتى نتمكن من إنتاج العلم، وليس مجرَّد استنساخه واستيراده. فعندما نُحقِّق ذلك ستتحسن صورتُنا عند غيرنا وتتحسن صورةُ غيرنا عندنا. فالصورة النمطية عَرَض، وليست مرَضًا، فالمرضُ هو التخلف، وعندما يزول تزول معه تلك الصورة تلقائيا. فانظروا إلى  تاريخ اليابان والصين. لقد كانت صورة اليابان والصين في الغرب وعندنا سيئة. وكان يقال لصناعتهما: “هذه الصناعة يابانية أو صينية” على سبيل الازدراء، والآن تغيرت الصورة. وكنا قبل عقد من الزمن ننظر إلى صناعة كوريا الجنوبية نفس النظرة، والآن صرنا نتسابق إلى شراء منتجاتها، مثل هواتف سامسينغ وحواسيبها المحمولة. وأنا أملك حاسوبًا رشيقًا من نوع “سامسينغ”، ولا أخفي عنك سرًّا إذا قلتُ لكإنني قبل 10سنوات فقط لم أكن أحبُّ أن أشتري سلعة كورية. لكن هذه الصورة تغيرت الآن.

فعندما تكون لدينا صناعات راقية ومنتجات منافسة في السوق العالمية ستتغير نظرة العالم إلينا، كما حدث لليابان والصين وكوريا والبرازيل، وغيرها. وإذن، فإن تغيير الواقع هو الطريق الصحيح إلى تغيير الصورة. ويمكنكم أيضًا أن تراجعوا خاتمة الفصل السابع وخاتمة الكتاب، فقد ذكرتُ فيهما بعضَ الأفكار الإرشادية التي تُعيننا في تحسين صورتنا عند الآخر الغربي.

..كثير من المؤلفات تناولت هذه القضية الشائكة.. فماهو الجديد الذي تقدمه للمكتبة العربية في كتابك؟

ـــ لقد جمعتُ في هذه المادة وناقشتُ وحلَّلتُ كثيرًا من الإشكالات الكبرى المتعلقة بحوار الحضارات بين الإسلام والغرب منذ القرن الأول الهجري / السابع الميلادي حتى اليوم. ونظن أن مجرد جمع هذه المادة في مؤلَّف واحد يُعَدُّ إضافةً جديدة، لكنني أظن أن الكتاب يُضيف أفكارًا جديدة ومنهجا جديدًا لفهم هذه الإشكالات ثم مواجهتها، على نحو ما ذكرتُ قبل قليل. غير أن الحكم النهائي على الكتاب يعود إلى النخب المثقفة ورجال الإعلام مثلكم.

.. البعض يُوجِّه نقدا لهذه النوعية من المكتب، علي أساس أنها تخاطب العالم العربي فقط، ولا تصل إلى القارئ الغربي، بمعني: لماذا لايترجم الكتاب إلي أكثر من لغة؟

ــــ هذا صحيح. لكنَّالتصوُّر الذي عندي والهدف الذي وضعتُه لهذا الكتاب ولكتب أخرى قد تصدر لاحقًا، هو أنَّنا في هذه المرحلة أحوجُ إلى فهم أنفسنا وواقعنا من فهم الآخرين لهما. ذلك أننا عندما نفهم هذا الواقع ونثق بأنفسنا سيفهمنا الآخرون. فالشعار ينبغي أن يكون “افهم نفسكَ أولا”. وأمَّا ترجمة الكتاب فنظن أن ذلك مفيد، ونتمنى أن يحدث.

صورة كتاب الإعلام الغربي

 

 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى