يميل كثيرون إلى توصيف ما يجري في العراق بأنه صراع طائفي بين الشيعة والسنّة، لكن مزيدا من التدقيق، سيؤكد أن الأمر أكثر تركيبا وتعقيدا من ذلك، فلا السنّة جميعا يصطفون إلى جانب تنظيم داعش في حربه التي لا تخفي خطابها الطائفي، ولا الشيعة يفعلون الشيء ذاته، بدليل وجود أطراف سنيّة تصطف إلى جانب الحكومة في حربها ضد التنظيم . وهي أطراف رغم بؤس مواقفها إلى درجة مزرية لا زالت تملك بعض الحضور في الأوساط الشعبية، على خلاف في تقدير ذلك الحضور، أو ما إذا كان حبا بها، أم هربا من تنظيم الدولة. ما جرى ويجري منذ شهور في العراق، يؤكد أن الوجه المتعلق بالصراع الشيعي الشيعي لا يقل أهمية عن الوجه المتعلق بالصراع الشيعي السنّي، سواء تم في الخفاء أم العلن، ولا يجب أن ينسى أحد أن المظاهرات العارمة التي اندلعت في الشوارع، وكانت الغالبية الساحقة من المشاركين فيها شيعة، لم تكن تهتف ضد تتظيم الدولة، ولا ضد السنّة، بل كانت تهتف ضد السياسيين (وغالبيتهم شيعة بالطبع)، وضد رجال الدين أو السياسيين الذين يلبسون عباءة الدين، الأمر الذي تم الرد عليه بعنف من قبل أدوات قاسم سليماني في العراق (مليشياته التي شكّلها تمثل دولة داخل الدولة)، حيث قتل خمسة من أبرز نشطاء المظاهرات، وتم السكوت على مقتلهم كأنهم لا شيء، وهو ما بث الرعب في أوساط الآخرين ودفعهم للعودة إلى بيوتهم باستثناء قلة واصلت التظاهر بشكل متقطع، وبشعارات أقل صخبا من السابق. في كلمات بدت صريحة، قال السياسي العراقي الشيعي المعروف عزت الشابندر مؤخرا إن “سنةالعراق حكموه مائةعام وبقي موحدا،أماالشيعة فحكموه مايقرب من الـ13 عاماوهويتجه نحوالتقسيم”. وأضاف أنه “لولم يسئ شيعةالسلطة إدارةالحكم لماوجدناأذناتصغي لماتريده بعض الأطراف في محيطناالعربي والإقليمي”. كما نتذكر في هذا السياق مقولات مقتدى الصدر الأكثر عنفا حيال المالكي، وما فعله بالعراق والعراقيين، وكيف صرّح بأن قاسم سليماني هو “الحاكم الفعلي للعراق”. في العام 2010، كان العرب السنّة قد انفضوا من حول تنظيم الدولة، وذهبوا إلى انتخابات النواب على أمل أن يحصلوا على شيء، وتصدرت قائمتهم الكتل النيابية، فجرى الالتفاق على ذلك بتشكيل الائتلاف الوطني بروحية مذهبية من كتلة المالكي والكتل الأخرى، لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك، فبدل أن يجري استيعاب هذه الفئة في العملية السياسية، لم يلبث المالكي أن أشهر في وجوههم سيف الطائفية، وحين خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج سلميا، اتهمهم بأنهم “دواعش”، وفضَّ اعتصاماتهم بالقوة، فحملوا السلاح من جديد، وعاد تنظيم الدولة ليشكل ملاذا للكثيرين منهم في وجه آلة القتل، والباقي معروف بكل تأكيد. لم يفعل المالكي ذلك حرصا على الشيعة، بل حرصا على مصالحه الفئوية، واستخدم الحشد المذهبي من أجل التغطية على فساده، مع تكريس هيمنة إيران على البلد، وهذا هو الوجه الأهم هنا، ذلك أن جزءا أساسيا من الصراع يتركز حول ما إذا كان يبنغي للعراق أن يكون جزءا من فضائه العربي، أم جزءا من النفوذ الإيراني، ما يعني أنه ما لم يتحرر العراق من هذا النفوذ، ومعه من الطبقة السياسية الفاسدة، فسيظل يراوح في البؤس حتى لو اختفى تنظيم الدولة من على وجه الأرض اليوم وليس غدا.