شخصياً لست أشك في أن 25 يناير كانت ثورة مصرية حقيقية نتجت عن حاجة ملحة للتغيير. بعد أن بلغ الوضع السياسي والاقتصادي في مصر أفقاً مغلقاً. هذه القناعة لا تتناقض مع قناعة أخرى لدي، ولدى كثير من المراقبين، بأن ثمة مشروعاً آخر كان معداً سلفاً يهدف إلى إسقاط بنى (الدولة) في الوطن العربي وتفتيت الجيوش العربية ونشر الفوضى. فورطة ما سمي ب (الربيع العربي) تكمن في وجود طرف يرغب في تغيير حقيقي للواقع العربي، ووجود طرف آخر يعمل ب (احتراف) لإعادة تشكيل خريطة الوطن العربي وتقاسم ثرواته.
ولا شك، أيضاً، أن 30 يونيو كانت موجة ثانية لاستعادة ثورة يناير المنهوبة من قبل التنظيم الإخواني، الذي كشفت ممارساته في مصر وتونس واليمن وغيرها من الدول عن الوجه الحقيقي لهذا التنظيم الذي لا يهمه من كل الشعارات والثورات والنضالات العربية التي كان شريكاً فيها إلا الوصول للسلطة ثم التفرد بها. ولكن بعد مضي خمسة أعوام على ثورة يناير، وما يزيد على الثلاثة أعوام على موجة يونيو تعاظم إحساس المصريين بأن شيئاً لم يتغير في الأزمات المصرية، بل إن الحالة المصرية صارت أكثر سوءاً وأصبحت تجثم على صدر مصر تركتين ثقيلتين، تركة نظام مبارك وتركة فوضى حكم الإخوان.
ومن يتابع الشأن المصري يرصد شعور كثير من المراقبين المصريين والعرب بالقلق من اقتراب ذكرى ثورة 25 يناير. فعلى الرغم من الاستقرار الأمني الملحوظ داخل مصر وعودة حركة السياحة بمستوى معقول، إلا أن طموحات الثورة لم تتحقق بالقدر المرضي للشعب المصري وخصوصاً فئة الشباب. فنسب البطالة ما زالت في ازدياد والدين المصري العام مازال في تصاعد وما زالت مصر تستعين بالهبات الدولية وبالاستدانة من البنك الدولي. كما أن أغلب المشروعات الاستثمارية والاقتصادية التي نفذت هي مشروعات غير منتجة وغير قادرة على توفير فرص عمل كافية للشباب المصري المؤهل في مختلف التخصصات، أو المصريين الحرفيين. وقد عادت الأجهزة لممارسة أساليب لم تعد مقبولة. ومما يزيد من وتيرة القلق في الشأن المصري هو تركيبة البرلمان الجديد الذي يسيطر عليه الكثير من رجال الأعمال النافذين ورموز نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك أو من يمثلونهم، وهي تركيبة تشابه تركيبة برلمان 2010 الذي كان أحد أهم عوامل ثورة يناير.
واليوم… ومصر على عتبات ذكرى ثورة يناير يرى المصريون بلدهم لا تزال تغرق في أزماتها، ويدورون حولهم فيجدون إخوانهم العرب في أزمات أشد خطورة منهم ويجدون مصر التي كانت حاضرة ومؤثرة في مختلف القضايا غائبة وصامتة ومنشغلة. مصر اليوم تبدو فاقدة للمشروع الداخلي الذي يبشر بنهوضها وخروجها من أزماتها وفاقدة، أكثر، للمشروع القومي الذي جعلها لسنوات طويلة تلعب دور الزعامة والتأثير والتغيير. فكيف سيستقبل المصريون ذكرى ثورتهم؟ وأي أسئلة سيطرحون؟
ونحن نرصد استعداد المصريين لاستقبال ذكرى 25 يناير علينا التوقف عند شخصية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي يحظى بثقة وتقدير خاصين من الشعب المصري ومن أنصار 25 يناير خاصة، والتي تشكل صمام أمان لأي توتر متوقع، ولتخلق حالة توافق بين كثير من الفرقاء المصريين. وعلينا عدم تجاهل تعاظم دور رجال الأعمال ورموز نظام الرئيس الأسبق مبارك الذين يسيطرون على الإعلام المصري وعلى البرلمان، وهم يستعدون لذكرى يناير بتهديد كل من يخرج يوم 25 يناير ويخونون كل من يتعاطف مع الذكرى باعتبارها ثورة. أما أنصار يناير فهم ينتظرون من الرئيس السيسي انحيازاً واضحاً لهم وطرح حلول عملية لأزماتهم ولتردي الأحوال الاقتصادية ولتراجع حرية التعبير عن الرأي. وفي هذه المواجهة يتوقع بعض المراقبين أن يُغلب المصريون الأمن على كل طموحاتهم معتبرين من مآسي دول الجوار. ولكن ثمة شبه اتفاق على أنه لا حل قريب للأزمات المصرية في ظل غياب المشروع السياسي المصري وفي ظل افتقاد مصر لبرنامج عمل ممنهج ومشترك من كافة الأحزاب وفئات المجتمع.
شعور كثير من المصريين بأن ثورة يناير قد اختطفت مرتين، مرة من قبل تنظيم الإخوان ومرة ثانية من قبل رجال الأعمال ورجال نظام الرئيس الأسبق مبارك.