رغم التحولات السياسية التي شهدتها مصر في أعقاب ثورة 25 يناير، والحديث عن ضرورة محاربة الفساد، لكن لم يتمكن القائمون على الحكم من استرداد الأموال التي هربها نظام مبارك الأسبق حتى اليوم، في ظل إشكاليات وتعقيدات سياسية وقانونية تضعها الدول المودع لديها تلك الأموال، الأمر الذي يستلزم من الدولة والمسؤولين عن اللجان المختصة باسترجاع هذه الأموال إلى التجارب السابقة التي نجحت في استرداد أموال الدول المنهوبة.
وتجدد الجدل في الفترة الأخيرة حول الأموال المهربة من مصر، خاصة في أعقاب حكم المحكمة النهائي الصادر ضد الرئيس الأسبق حسنى مبارك ونجليه علاء وجمال، في قضية الفساد المالى المتعلقة بالقصور الرئاسية، الذي يقضى بسجن كل منهم ثلاث سنوات.
وعلى ضوء الحكم، جاءت زيارة النائب العام السويسري إلى مصر، الذي أكد أن هناك عرضا مقدما له من قبل هيئة الدفاع عن رموز نظام مبارك في سويسرا للتصالح مع السلطات المصرية والتفاوض على قيمة الأموال التي سيتم إعادتها إلى مصر، مؤكدا أن القانون السويسري يستلزم إيجاد روابط بين الأموال المهربة والجرائم المرتكبة في مصر حتى يتم ردها.
التجربة التونسية
تعتبر تونس الأوفر حظا من بين دول الربيع العربي في استرداد الأموال المنهوبة، على الرغم من ضعف الرقم الذي تم استرجاعه من حجم الأموال المهربة، فنجحت تونس في استرداد نحو 29 مليون دولار في لبنان كان على ذمة زوجة الرئيس التونسي الأسبق بن على، كما استعادت السلطات التونسية يختا كان محتجزا بأحد الموانئ الإيطالية، ونجحت مؤخرًا بعد مباحثات مع سويسرا إلى إعلان الأخيرة وتعهدها باسترجاع نحو 40 مليون دولار أخرى من الأموال المهربة من تونس لدى بنوك جنيف.
وأرجع الخبراء والمحللون نجاح التجربة التونسية إلى عدد من الأسباب، في مقدمتها تفعيل دور الجهود غير الحكومية كمنظمات المجتمع المدني، التي اتفقت مع تونسيين يحملون الجنسيات الأجنبية في الدول التي يعيشون بها على رفع قضايا بالكشف عن أرصدة أسرة بن علي واستعادتها، وبالفعل تم رفع قضايا وكان الحكم في صالح التونسيين ومنظمات المجتمع المدني، كما كانت للجهود الدبلوماسية دور فعال في استرداد الأموال، من خلال وزارة الخارجية التونسية، بإرسال الإنابات القضائية من أجل تحقيق نتائج أفضل.
ووفقًا لدراسة أعدها أستاذ القانون المصري، محمد الغمري، فمن بين الأسباب التي أدت إلى نجاح التجربة التونسية، السعي الحثيث لتطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وتفعيل أحكامها المتعلقة بإجراءات المصادرة، واسترجاع الأموال، وكذلك من خلال وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، وإنشاء هيئة وطنية، ما يجعل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وسيلة أساسية لدعم تلك الإصلاحات، ونتجية لذلك، استفادت تونس من تدخل الأمم المتحدة، فتحمل مركز حكم القانون التابع للأمم المتحدة نفقات قضية استرداد الأموال التونسية من لبنان، وفقا لتصريحات المحامي الخاص لدى الأمم المتحدة، المكلف باسترداد الأموال المنهوبة من دول الربيع العربي، على بن فطيس المرى.
تجربة نيجيريا
تعد التجربة النيجيرية من أنجح التجارب في مجال استرداد الأموال المهربة خارج البلاد، فبعد مباحثات دامت أكثر من سبع سنوات، بدأت بتحقيق أمني واسع من قبل السلطات النيجيرية عام 1998 بمشاركة سويسرية، استطاعت نيجيريا أن تسترجع أموالها المهربة من قبل الرئيس النيجيري الأسبق، ساني أباتشا، فاستردت أكثر من نصف مليار دولار في الفترة من 2005 إلى 2006، وفي عام 2013 تم استرداد مبلغ 1.9 مليار دولار.
تفاصيل قضية هروب الأموال من نيجيريا ظهرت أكثر في أعقاب فوز «أولوسيجون أوباسانجو» بالانتخابات الرئاسية عام ١٩٩٩، عندما أكدت الحكومة النيجيرية أن عائلة الرئيس السابق «أباتشا»، سرقت ٤ مليارات دولار خلال فترة حكمه، واتهمته نيجيريا باستخدام حلقة من أفراد عائلته ومساعدين مقربين منه وشركاء في الأعمال للاستحواذ على تلك الأموال، من خلال منح عقود للشركات البارزة، وتلقي رشاوي كبرى، والاستيلاء مباشرة على أموال من الخزينة العامة النيجيرية، وبعد وفاته، عثرت سويسرا على حسابات مصرفية له في ١٩ بنكا.
يقول مدير إدارة القانون الدولي في وزارة الخارجية السويسرية والمعنى بملف استرداد الأصول، فلانتين زيلوجر، إن سويسرا أعادت ملياري دولار إلى دول تم تهريب أموال من ضمنها 700 مليون دولار إلى حكومة نيجيريا من أموال رئيسها الراحل، سانى أباتشا، مضيفا أن حالة أموال ساني أباتشا كانت نموذجية، حيث أبدت السلطات النيجيرية جدية في التعامل مع الملف وطلبت المساعدة الرسمية من سويسرا فكان هناك تحقيقان جنائيان بشأن الأموال في نيجيريا والثاني في سويسرا، مع تعاون وثيق بين الجانبين، انتهى بالنجاح في إثبات عدم شرعية الأموال، وبالتالي ردها إلى نيجيريا.
تجربة البيرو
من ضمن النماذج الناجحة في عودة الأموال المهربة، كانت بيرو أيضا، التي ثار برلمانها على إدارة فوجيمورى، وأسقطها بسبب اتهامات بالفساد وانتهاك حقوق الإنسان، وبحسب تقارير سابقة وأساتذة قانون سردوا التجربة، فإنه حكومة البيرو أقامت دعوة ضد رئيس جهاز المخابرات السابق، فيجموري ومونتسينوس، بتجميع ثروة بطرق غير مشروعة تصل إلى ثمانية مليارات دولار على مدى عشرة أعوام قضاها في السلطة.
وبحسب دراسة سابقة لأستاذ العلوم السياسية، إيراهيم منشاوي، قامت حكومة البيرو في ذلك الوقت بإعادة صياغة الإطار المؤسسي والقانوني، ووضع نظام جديد لمكافحة الفساد، تضمن مجموعة من الآليات مثل إنشاء المحاكم والنيابات، فضلًا عن سلسلة جديدة من الابتكارات في النظام القضائي، مثل استحداث آليات وإجراءات جنائية خاصة، وتم بالفعل استرداد جزء من هذه الأموال المهربة.
تجربة الفلبين
استطاعت الفلبين استرداد جزء كبير من أموالها المهربة، والتي كانت تقدر بـ 10 مليارات دولار في تسعينات القرن الماضي، فقضت المحكمة العليا السويسرية لأول مرة في تاريخها، بحسب الصحف السويسرية، بنقل الوثائق المصرفية من ودائع الرئيس السابق للفلبين، فردناند ماركوس، في جنيف، وزيورخ وفريبورج، إلى الحكومة الفلبينية، واستردت الفلبين بعد إجراءات تقاَضي استمرت ١٧ عاما ١.٧ مليار دولار تم نهبها من الفلبين على يد الديكتاتور ماركوس والذي حكم الفلبين لمدة ٢١ عاما بين أعوام ١٩٦٥ و١٩٨٦.
وكشفت الصحف السويسرية عن تجربة البلاد في استعادة الأموال المهربة، فأكدت صحيفة “سويس إنفو” أنه منذ واقعة ماركوس والحكومة السويسرية قررت لأول إعادة الأموال المهربة إلى مالكها الشرعي، مضيفة أن الأمر الذي أدى إلى نجاح التجربة، الإرادة السياسية والتعاون الوثيق بين سويسرا والفلبين.