بعد تنفيذ أحكام الإعدام في المملكة العربية السعودية التي أثارت ضجة من قبل إيران وأنصارها، صدرت أحكام في الكويت لكنها لم تشهد الضجة نفسها، رغم صدور حكم بإعدام مواطن إيراني وليس سعودياً، كما في حالة نمر النمر.
إذ يبدو أن ضابط الإيقاع للضجيج الإيراني ارتأى تخفيف درجة الضجيج في الحالة الكويتية بعد أن لمس أن ردود فعله على حكم إعدام النمر في السعودية كانت انعكاساتها سلبية عليه، لأن الاعتداء على السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران ومشهد، لقي استنكاراً دولياً غير مسبوق، بل إن التحالف الإسلامي الذي أعلنته الرياض من قبل اكتسب قوة وتماسكاً أكثر من ذي قبل بانضمام باكستان بقوة إليه وهي أكبر قوة إسلامية.
حتى الآن، يمكن إجراء مقارنة أو مقاربة بين سلوك النظام الإيراني الحالي بعد الاتفاق النووي مع الغرب، وبين سلوك جماعة الإخوان المسلمين في مصر بعد زيارة خيرت الشاطر لواشنطن، واتفاقه مع الإدارة الأمريكية على الخطوط العريضة لسياسة الجماعة في مصر والعالم العربي، والالتزام بأمن «إسرائيل» ومعاهدة كامب ديفيد. فقد فهم الإخوان المسلمون من مباركة ودعم واشنطن لهم في مصر أن بوسعهم استباحة الدول العربية الأخرى، ولذلك سعوا إلى تحريك خلايا نائمة لهم في دولة الإمارات، وغيرها بهدف استثمار اللحظة، أي لحظة الاندفاع في مصر وتونس للاستحواذ على قطر عربي نفطي للصرف على أنشطتهم الخارجية، وصولاً لإقامة خلافة المرشد العام.
وثمة وثائق حول إطلاق واشنطن لأيدي الجماعة في العالم العربي حتى يظلوا في حالة حرب داخلية لأكثر من أربعة عقود، أي أن يبقى العالم العربي في حالة حرب داخلية طوال هذه المدة، مع ما تستنفده هذه الفترة من دم ومال ودمار، كأن الهدف هو فقط خلق حالة دمار شامل في كل البلاد العربية، لكن حسابات الحقل اختلفت عن حسابات البيدر، وسقط الإخوان في مصر، وهي قاعدتهم الأم، وفقدوا المدد البشري وانتقلوا إلى الخارج في تركيا وغيرها، وباءت تحركاتهم في دولة الإمارات بالفشل الذريع أيضاً، وخسروا الهيمنة في تونس، ولم يكن لهم تأثير في الجبهة السورية. وسقط حلم خلافة المرشد المصري الذي تحدث عنه أولاً قادة حماس في غزة، ثم بعض قادة النهضة في تونس الذين توعدوا بعض الأنظمة بالويل والثبور بعد أن تمكنوا من الفوز انتخابياً.
في الحالة الإيرانية، تواطأ الأمريكيون وهم في عجالة لتنفيذ انسحابهم من العراق مع الإيرانيين، وحكم الإيرانيون العراق عن طريق حكومة نوري المالكي التي سلمت مقاليدها إلى ميليشيات وقوى موالية لإيران، وهذا التوغل في العراق تزامن مع الأزمة السورية التي أتاحت للحرس الثوري الإيراني وحزب الله التدخل بقوة في سوريا في مواجهة الحشد غير المنظم من أفراد وجماعات ومرتزقة مدعومة من دول وأجهزة مخابرات لإسقاط النظام.
إيران فهمت الاتفاق النووي، كما فهم خيرت الشاطر اتفاقه مع الأمريكيين، أي إطلاق أيديها في العمق العربي، وتحدث قادة إيرانيون بعد سيطرة الانقلاب على صنعاء عن سقوط رابع عاصمة عربية في ايدي إيران، وهذا الكلام موثق وليس مختلقاً على ألسنة مسؤولين إيرانيين، بعد بغداد ودمشق وبيروت، ويعبر عن رغبة إيرانية في الهيمنة. إذ إن هدف إيران من البرنامج النووي هو التحول إلى قوة إقليمية في المنطقة، وطالما اعترف بها الأمريكيون والروس بهذا الوضع الإقليمي فلا ضرورة لامتلاك سلاح نووي.
بهذه المقارنة نفهم أن سيرة دولة خلافة المرشد العام للإخوان لا تختلف عن دولة ولاية المرشد الأعلى للثورة في إيران. فكل يريد إقامة دولته على حساب الآخرين باسم الدين، وفرض وصايته على المسلمين، فالجماعة من أدبياتها أن المسلم هو من انتمى إلى الجماعة، فيما أن الدولة الإيرانية تعتبر كل من ينتمي مذهبياً إليها هو منها وإليها، حتى لو لم يشأ ذلك.
فالعامل الديني يستخدم هنا لأهداف سياسية للهيمنة والسيطرة وخلق مناطق نفوذ. ولهذا فإن المسألة باتت بالنسبة إلى دول الخليج مسألة مصيرية لا تحتمل التأجيل، ولعل الموقف السعودي الحاسم دليل على أن المد الإيراني يجب وضع حد له بحيث لا يتطفل أو يتوغل في دول الخليج.
وهذا التصعيد الإيراني تجاه دول الخليج كان مقصوداً منه عرقلة أية آمال في تسويات لأزمات المنطقة، كالسورية أو اليمنية، حيث يتأرجح مصير الحوارات في جنيف بشأن سوريا واليمن ربما بفعل ضغوط إيرانية ليبقى مستقبل المنطقة رهينة طموحات وأطماع غير مشروعة لقوى إقليمية.