بدأ فريق عمل مسلسل “أحمد بن حنبل”، المقرر عرضه في رمضان 2016، رحلة التصوير لمشاهده الأولى في تركيا، ويتناول العمل الذي كتبه محمد اليساري ويخرجه عبد الباري أبو الخير وتنتجه شركة المها سيرة حياة الإمام أحمد بن حنبل رابع أئمة أهل السنة والجماعة.
لكن اختيار ابن حنبل ليس اختياراً سهلاً بالتأكيد، إذ يشوب عصر الإمام الكثير من الجدل والفتن والقضايا التي لا تزال عالقة إلى يومنا هذا.
ابن حنبل والأصولية
ترعرع أحمد بن حنبل في بغداد إبان العصر العباسي، في أوج انتشار الفرق الدينية والجدليات الفكرية الفقهية وغيرها. لكن ليست هذه الأسباب وحدها ما وصمت عصر الإمام، فلقد ارتبطت سيرته دائماً بالمعتزلة، الذين اشتد عودهم وقويت سلطتهم في فترة حياته.
واعتمد مذهب الحنبلية على الالتزام الشديد بالاتباع، وهو ما وجّه إليه أصابع الاتهام لاحقاً بالتشدد والتطرف، خاصة مع ارتباط الفقه الحنبلي بطروحات ابن تيمية التي تتسم بالتشدد، وهو ما زاد من سوء فهم المذهب الحنبلي أكثر، حتى صار عامة الناس إن أرادوا أن يقذفوا شخصاً بتطرفه قالوا “ماسكها حنبلية”.
ولعل انتهاج ابن حنبل الدقة والاتباع ورفض القياس إلا في الضرورة وتجنبه الرأي، كانت له بعض المبررات أبرزها، سيطرة المعتزلة وكثرة الفرق والفتن دفعته للعودة إلى أصول الحديث والتثبت منها والتزام نهج القرآن.
وخاض ابن حنبل مع المأمون والمعتزلة محنته الشهيرة وهي قضية “خلق القرآن”، التي جرّت عليه السجن والتعذيب وسخط المأمون وخلفاء بني عباس من بعده.
محنة الإمام أدت إلى تأجيج غضب العامة ونقمتهم، خاصة أن العباسيين وميولهم الفارسية لم يحظوا مطلقاً برضا العرب المسلمين. لتأتي هذه المحنة وترفع من صوت الأصولية وتوسّع شرخ الفرق الإسلامية.
ولكي يميز أتباع ابن حنبل أنفسهم كجماعة على الطريق الصحيح على الإسلام على خلاف العباسيين والمعتزلة أطلقوا على أنفسهم، كما في بعض الروايات التاريخية، اسم جماعة “السُنة”، أي بمعنى آخر أن هذا المصطلح أرّخ في الذاكرة الإسلامية للمرة الأولى في ذلك العصر، ليصير منذ ذلك الحين هذا التمييز الإسلامي بين من هم على منهج الرسول ومن هم على خلافه.
ورغم ما يزخر به العصر الإسلامي من علماء ومفكرين، لكن شركة المها للإنتاج الفني، التي أنتجت سابقاً مسلسلي “الحسن والحسين” و”خالد بن الوليد“، اختارت سيرة صاحب مذهب الحنبلية هذه المرة، مؤكدة في حديث لها مع شبكة إرم الإخبارية أنها تهدف إلى تقديم خدمة للناس، بحسب وصف مسؤوليها، من خلال إنتاجها هذا العمل. وتقديم سيرة الإمام التي تعكس معاني المثال والقدوة التي ينبغي على الناس أن ينهجوها في الخلق والعلم والعمل والصبر والجهاد والثبات على الحق.