كشف طبيب أسنان سوري تمكن من الهرب من حصار بلدة مضايا بريف دمشق ، “إن قوات النظام وحزب الله اللبناني، أطبقت حصارها بشكل كامل على البلدة، مما أنهك المدنيين جوعًا.
وفي حوار أجرته معه الأناضول في إسطنبول، أوضح طبيب الأسنان محمد خير، وهو عضو مجلس محلي الزبداني، أن قوات النظام وحزب الله “أطبقوا الحصار بشكل تام، ووضعوا سورًا معدنيًا حول البلدة، وزرعوا الألغام الفردية على جميع الأطراف، بغية عدم السماح لأحد بالدخول أوالخروج”.
وأشار أنه “بعد أن جاع الناس ويئسوا، بدؤوا البحث عن الطعام، وخرج الأطفال لجمع الأعشاب، لكنهم أصيبوا، كما بترت قدم طبيبا للأسنان، فيما الأهالي ظلوا يبحثون عن أي شيء يؤكل في أي مكان”.
وكشف أن “الناس بدأت تغلي ورق العنب المصفرّ مرتين، مضيفين له البهارات والملح ثم يأكلونه، أمّا بالنسبة للأطفال وحليبهم، فلا يوجد لدى الأمهات للإرضاع، ولا في السوق، وإن وجد فهو أغلى من الذهب”.
ولفت أن “الواقع سيء للغاية، فبعد بداية الحملة في الزبداني (قبل أشهر) انتقلت النساء والأطفال إلى مضايا وحشرهم النظام فيها، وبعدها بعشرة أيام قطع عليهم الطريق، وقطعت المواد الغذائية، ولا تدخل لا ربطة خبز، ولا حتى كيلو غرام من الطعام”.
وأوضح الطبيب خير، “أنه انتقل إلى مضايا بعد استمرار واشتداد الحملة والحصار على الزبداني، من أجل دفع عملية التفاوض بين النظام والمعارضة لفك الحصار عن الزبداني”.
وأشار أن “محاولات التفاوض لم تنجح، إلا من خلال دخول الهدنة في شمال البلاد وجنوبها”، مبيناً أن حالة من الفرح عمت البلدة، وزغردت النساء عندما علمن أن وقفاً لإطلاق النار سيسري منتصف الليل،إلاّ أنه مع وقف إطلاق النار بدأت مأساة الجوع والحصار، وأخذت الأسعار ترتفع، والمواد تنفذ من البيوت ومن الأسواق”.
وتابع الطبيب بالقول “هناك بلدتان (بقين) و(مضايا)، وسط الأولى شارع رئيسي، كان فيه سوق عامر بمختلف الأشياء، وحاليا هو سوق لبيع الأرواح لبارئها، حيث تموت الناس جوعًا أمام البشرية جمعاء، والأمم المتحدة لا تحرّك ساكنا”.
وروى بعضًا من صور المآسي، حيث أفاد بالقول “امرأة لديها 5 أطفال يتضورون جوعًا، تسمع صراخهم، تبحث المرأة عن أي شيء يؤكل في السوق إن وجد المال، ثم تعود خاسرة، تأتيهم بورق الشجر أو الأعشاب، إلا أنها لا تجدي نفعًا، فالأطفال لا يستطيعون القيام عن الأرض بسبب الجوع، وأيضًا المسنّون وأصحاب الأمراض المزمنة، والذين بدأت الوفيات بهم قبل غيرهم”.
وأضاف “رأيت بعيني من شرفة منزلي صراخ طفل، تخرج أمه بحثاً عن طعام، لأن زوجها إما معتقل أو شهيد، تسأل أصحاب الدكاكين (المحال التجارية) من أول السوق لآخره، وتتوسا إليهم، ثم تأتي لأوله مجددًا تسأل يمنة ويسرة، ولا تجد شيئًا، وكأنها تسعى بين الصفا والمروة”.
وعند سؤاله عن كيفية بقائهم على قيد الحياة، رغم خمسة أشهر من الحصار، أوضح أنه “حتى الآن سجل لما قبل ثلاثة أيام، وفاة 42 شخصًا جراء الحصار والجوع، وبقيت الناس أحياء عبر أكل ما تبقى من المواشي التي ضمرت أجسادها من الجوع، ليس هناك سهل للرعي، بل أبنية، وهذه الحيوانات كانت جلدًا وعظمًا، ورغم ذلك كانت تذبح وتوزع للناس عبر جمعية إيثار الخيرية، إضافة للأعشاب وورق الشجر، وبقايا الطعام في البلدتين”.
وشدد على أنه “منذ بداية الحملة عمل النظام على فصل الزبداني عن مضايا وبقين، عبر السهل الذي يفصل بينهما، والسيطرة عليه، وهذا السهل مليء بأشجار التفاح، وبعد احتلالها، قطع كل الشجر دون استثناء وبيعت للتدفئة”، لافتاً “أهل المنطقة كانوا مصدرين للتفاح إلى العالم، ولكنهم لم يأكلوا تفاحة واحدة هذا العام، ويشتهون رائحة التفاح وغيره”.
وبيّن أن “الفرق بين حصار الزبداني ومضايا هو أن الأولى محاصرة منذ 5 سنوات، ولكن كانت تدخل إليها مواد، بينما في مضايا الوضع مختلف والحصار خانق”، مشيراً أن “الناس لم يأكلوا ورق الشجر منذ عصور، ورغم ذلك لا أحد يحرك ساكنًا إزاء مشاهد الهياكل العظمية”.
وعن الوضع الطبي، أكد أنه سيء للغاية من حيث الكوادر والمواد، مضيفاً “كان معي طبيب بيطري ومخدِّر، وطلاب مساعدون، وكل متابعات الجرحى والمرضى، كانت على هذا الكادر الصغير، فأنجزوا أكثر من 15 عملية قيصرية لنساء لم يستطعنا الولادة الطبيعية، وهناك عمليات بتر، وكلها بعد بداية الجوع، نتيجة تعرض الناس للألغام الأرضية في رحلة البحث عن الطعام”.
وتابع موضحًا “المواد الطبية منتهية الصلاحية، وخاصة مواد التخدير، فيما دخل مع الأمم المتحدة قبل 3 أشهر، مواد طبية لا تفي بالغرض، وكانت عبارة عن حبوب وشراب ليست نوعية في مجال الجراحة، بل يساعد في الأمور الباطنية فقط، وهناك شح في المواد الجراحية والسيرومات(المغذيات)”.
من ناحية أخرى، لفت “خير”، لموضوع التدفئة، كاشفًا أن “مضايا وبقين تقعان على ارتفاع 1400م، ومشهورة بأنها مصايف ويغطيها الثلج والجليد شتاءً”، مشيراً أن المحاصرين للمدينة منعوا دخول أي نوع وقود إليها، ولم يبق لهم سوى جلب بقايا الأعشاب والشجر ليدفئوا أطفالهم”.
كما أفاد أنه “كان هناك بعض الزعرور (شجر بري) موجود على الجبل يمكن استخدامه للتدفئة والطبخ، ولكن القناصة يستهدفون الناس، ولا يسمحون لهم أخذ أي شيء لبيوتهم، في ظل انقطاع الكهرباء منذ زمن بعيد، ولا غاز ولا شيء يوقد في البيوت”.