نون والقلم

عام 2015..محطات وأحداث دولية

مرّت سنة 2015 حافلة بالأحداث الإقليمية والدولية الكبرى، التي لم تخلُ من تداعيات وانعكاسات مختلفة؛ وفي هذا السياق؛ سنحاول التركيز على بعض المحطات الكبرى التي ميزت وبصمت هذه السنة بآلامها وآمالها.

على مستوى مسار الحراك في المنطقة، ظلّ الارتباك هو سيد الموقف بالنظر إلى الإشكالات التي برزت في عدد من دول الحراك بصورها العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ فيما سعت بعض الدول إلى اعتماد مبادرات سمحت بتجاوز حالة الأزمة والخطر.
ففي الحالة التونسية، ورغم الإشكالات الاقتصادية (تراجع الاستثمار ومداخيل السياحة..)، والاجتماعية (تنامي البطالة؛ والفقر..)، والأمنية (حدوث أعمال إرهابية..)، والتي ترافق التحول السياسي بالبلاد منذ سقوط الرئيس السابق بن علي؛ إلّا أن ذلك لم يمنع من بلورة مبادرات بناءة اتخذت على امتداد السنوات الأخيرة، والتي جنبت البلاد الدخول في متاهات العنف؛ بفضل التوافقات السياسية التي كان لرباعية الحوار؛ المشكلة من الاتحاد العام التونسي للشغل؛ والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعة التقليدية، ونقابة المحامين، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان دور كبير فيها؛ استحقت إثره نيل جائزة نوبل للسلام، ما جعل الحالة التونسية تشكل نقطة ضوء في منطقة غلبت على حراكها القتامة والتشاؤم.
مازالت لغة الرصاص هي سيدة الموقف بالنسبة للحالة السورية؛ التي تكلف السوريين الكثير من المآسي والتضحيات، يزيد من حدتها تباين المواقف الإقليمية والدولية من الأزمة، ففي الوقت الذي تلحّ فيه قوى داخلية وإقليمية ودولية على رحيل النظام، وترفض أية إمكانية، يشكل فيها جزءاً من الحل؛ تبرز مواقف موازية أخرى ترى بعكس هذا التوجه.
انتقل هذا التباين والتضارب إلى الأمم المتحدة ذاتها؛ وبخاصة بين الولايات المتحدة وروسيا الداعمة للنظام.
وفي خضم هذه الأوضاع؛ يشير الكثير من التقارير والتطورات الميدانية إلى انتعاش الكثير من الحركات والجماعات المتطرفة داخل التراب السوري؛ ما يعمّق جرح المواطن السوري أكثر.
أمّا الحالة الليبية التي تنطوي على تعقيدات كثيرة، فقد أسهم فيها تسرب السلاح إلى عدد من الجماعات والميليشيات، وغياب مؤسسات الدولة الحديثة، وتفشّي الصراعات القبلية، ظلّ المشكل قائماً؛ تجسّد في بروز حكومتين وبرلمانيين منفصلين؛ أدخلا البلاد في متاهات خطرة.
وبالموازاة مع ذلك؛ انطلقت بعض المبادرات البناءة والمساعي الحميدة الداعمة للحوار بين مختلف الفصائل؛ قادتها الأمم المتحدة، وبعض الدول؛ وهكذا شهدت مدينة الصخيرات المغربية جولات عدة من المفاوضات بين الفرقاء المتصارعين بالبلاد؛ أثمرت في نهاية السنة عن إبرام اتفاق الصخيرات تحت إشراف أممي؛ شكّل إحدى ميزات العام 2015؛ بالنظر للمقتضيات التي تضمنها، والتي تحرص على الوحدة الليبية وبناء المؤسسات وتجاوز حالة الانتظار؛ وكذلك بالنظر للحضور الوازن للفصائل المتصارعة التي تمثل مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية الليبية؛ علاوة على الترحيب الداخلي والدولي بالمبادرة التي تشكل في مجملها بداية جيدة تعبد الطريق لمبادرات أخرى، يفترض أن تدعم الحوار الداخلي، وتسمح بتجاوز الخلافات القائمة.
لم تخل سنة 2015 من تحديات ومخاطر أخرى، وعلى رأسها ظاهرة الإرهاب الدولي التي تؤكد الممارسة الدولية تمددها وانتشارها على نطاق واسع، فقد شهد العديد من الدول عمليات إرهابية اختلفت من حيث حدتها وتداعياتها؛ ويبدو أن دول العالم أصبحت مقتنعة أكثر من أي وقت مضى بخطورة هذه الظاهرة العابرة للحدود وبأهمية مواجهتها بصورة شمولية في إطار من التعاون والتنسيق.
إن الإرهاب الدولي هو في حقيقة الأمر تنكّر لكل القيم والضوابط في أبعادهما الإنسانية والدينية والقانونية والأخلاقية؛ وتغييب لاستخدام العقل والموضوعية في الدفاع على الآراء والمواقف، كما أنه يجسّد مصادرة للحق في الحياة وفي بيئة سليمة، فالأحداث الإرهابية التي شهدتها باريس، وكذلك الشأن بالنسبة لمصر وتونس وغيرهما من الدول؛ تبرز أن هذا الخطر لا يهدد دولة بعينها بقدر ما يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين.
وإلى جانب هذا الإشكال تزايدت حدة الهجرة واللجوء في منطقة المتوسط، وفي مناطق دولية أخرى؛ تحت وقع الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية التي يعيش على وقعها العديد من الدول.
فالإحصائيات الصادرة عن المنظمات المعنية بالظاهرتين تحذر من الارتفاع المهول في حجمهما خلال الوقت الراهن؛ في سابقة هي الأولى من نوعها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وما يزيد من تعقد الأمور في هذا الشأن؛ التباين الكبير في تعاطي الدول مع الظاهرتين؛ إضافة إلى هيمنة المقاربة الأمنية على حساب الإشكالات والمعاناة الإنسانية التي تفرزها، إضافة إلى عدم حسم الصراعات والنزاعات في عدد من الدول كسوريا، والتي تغذي الظاهرتين؛ ما يجعل معاناة المهاجرين وطالبي اللجوء مرشحة للتطور في المستقبل، خصوصاً أن العديد من التيارات اليمينية في أوروبا التي انتعشت في الفترة الأخيرة؛ مازالت تربط الكثير من المعضلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية التي تعيشها أوروبا بالظاهرتين.
في خضم هذه المتغيرات والتحولات؛ شكل مؤتمر باريس الأخير حول تغير المناخ، والذي شارك فيه ممثلو أكثر من 190 دولة؛ محطة دولية مضيئة في عالم مضطرب؛ ومناسبة مهمة لحشد الجهود الدولية لمواجهة مخاطر تلوث البيئة التي تؤثر بالسلب على التغيرات المناخية.
ورغم أن هذا المؤتمر شكل منبراً للتراشق بالتهم المتبادلة بين دول الشمال ومثيلاتها في الجنوب حول المسؤولية عن تزايد التلوث المحيق بالكرة الأرضية بفعل النشاط البشري؛ إلّا أنه سمح بالانكباب على تناول إحدى أهم الأولويات والمخاطر الدولية التي تتطلب اتخاذ مبادرات جماعية وجدّية في إطار من التضامن والاستعجال؛ حيث تم اعتماد اتفاق مهم يقضي بتحويل الاقتصاد الدولي من الاعتماد على الغاز الأحفوري خلال العقود المقبلة؛ والسعي الحثيث للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض.

 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى