الاثنين الماضي أعلنت السعودية موازنتها للعام 2016 ويبلغ الإنفاق المقدّر في العام المقبل 840 بليون ريال، في مقابل إيرادات متوقعة بقيمة 513.8 بليون ريال، وعجز بقيمة 326.2 بليون ريال. أبرز ملامح الموازنة الجديدة هو إبقاء تمويل مشاريع التنمية، التي تخدم المواطنين، عبر صناديق التنمية الحكومية (صندوق التنمية الصناعية، وصندوق التنمية الزراعية، وصندوق التنمية العقارية، وبنك التسليف والادخار) بمبلغ يصل إلى 50 بليون ريال، وعدم المس بمشاريع قطاعات التعليم والصحة والخدمات البلدية.
الجديد في موازنة 2016 هو مشروع ولي ولي العهد السعودي، رئيس مجلس الاقتصاد والتنمية، الأمير محمد بن سلمان، والذي عرف باسم «رفع كفاءة الإنفاق». المشروع نجح، حتى الآن، في خفض رقم العجز الذي تداولته تقارير المراكز المالية العالمية، إذ كان متوقعاً أن يصل إلى 20 في المئة، لكنه أصبح 15 في المئة. ولتحقيق هذه النتيجة طالب المشروع في البداية كل الجهات الحكومية بترشيد الإنفاق من دون قرارات ملزمة. هذه الخطوة وفّرت قرابة 80 بليون ريال، وهو يمثل 9 في المئة من حجم موازنة 2015، لكن هذا الرقم لم يحقق هدف الخطة التي تبنّاها الأمير محمد بن سلمان. فالجهات الحكومية بقيت تنفق بأرقام عالية ومقلقة على المدى البعيد. وجد أن سبب هذا الإنفاق المرتفع، وغير المبرر أحياناً، ناتج من إلغاء قرار سابق، يقضي باستئذان الجهات العليا إذا زاد حجم المشروع على 100 بليون ريال، فاتخذ المجلس الاقتصادي قراراً بمعاودة العمل به مجدداً، كوسيلة لضبط الإنفاق وترشيده.
تسارعت إنجازات مشروع «رفع كفاءة الإنفاق»، وتزايدت مهماته، فأصبح بحاجة إلى فريق مصغّر لمتابعة دوره، ولتحقيق نتائج أفضل، فشكّل الأمير محمد بن سلمان، من خلال المجلس الاقتصادي، لجنة بإشرافه، لمراقبة إنفاق الجهات الحكومية على المشاريع، ويقوم عملها على درس جدوى المشاريع القائمة للجهة الحكومية، وقدرة الجهة على التنفيذ بالتكاليف المقدّرة والمدة المحددة. فإذا كانت حققت نجاحات سابقة، ولم تكن لديها مشاريع متعثّرة، تتم الموافقة لها على المشروع الجديد، مع استمرار مراقبة التنفيذ. وإذا كانت لديها مشاريع متعثّرة، وأخرى لم تكتمل، يُطلَب منها أولاً الانتهاء منها قبل البت في اعتماد مشاريعها الجديدة. اللجنة المكلفة متابعة «رفع كفاءة الإنفاق» وجدت، من خلال هذه الآلية، أن هناك 7 آلاف مشروع في أنحاء السعودية، لم تنفّذ منذ أعوام ويصل عمر بعضها إلى عشر سنين، وبلغت تكاليفها ألف بليون ريال. فحصل المجلس الاقتصادي على موافقة مجلس الوزراء لوقف هذه المشاريع، ومعاودة النظر في جدواها، أو تحسين مواصفاتها، ومعاودة تنفيذها، إذا كانت ضرورية.
الأهم أن لجنة متابعة مشروع «رفع كفاءة الإنفاق» درست أنماط الصرف، وإن شئت ثقافة الصرف، لدى الأجهزة الحكومية خلال السنوات الماضية، فوجدت أن كل الجهات الحكومية تتدافع في شكل كبير على الإنفاق في الربع الأخير من السنة، وأن حجم الإنفاق في الأشهر الأخيرة الذي أصبح ظاهرة اكتسبت صفة النظام، يمثل 32 في المئة من المبالغ المرصودة لهذه الأجهزة، ومن دون ضرورة في معظم الأحيان، فتبنى المشروع معاودة إصلاح ثقافة الصرف لدى قطاعات الدولة.
وكانت أبرز النتائج السريعة لبرنامج «رفع كفاءة الإنفاق»، زيادة الإيرادات غير النفطية من 133 بليوناً إلى 163 بليوناً، بزيادة بلغت 29 في المئة مقارنة بالأعوام السابقة، التي كان متوسط نموها لا يزيد على 10 في المئة، فضلاً عن أن المشروع تبنّى الالتزام بسقف الموازنة، وعدم الصرف من خارجها، ورصد مبلغاً احتياطياً للأشياء الطارئة بلغ 183 بليون ريال، لمنع الإنفاق غير المجدول. إذ بلغ الصرف من خارج الموازنة في بعض السنوات الماضية قرابة 47 في المئة من المبالغ المرصودة في الموازنة العامة، وهو ما أثّر في عدم نمو الاحتياطات على النحو المفترض.