نون والقلم

(قل هي مواقيت للناس والحج) … حرب قادمة قد يخوضها العرب!

كان ولابد لي من العودة للحديث عن “عبادتي الصوم والفطر”، فمقالي السابق كان واضحاً في رسالته المُوجهة للجهات العربية المُختصة بأن إختلاف مواقيت التاريخ الهجري يحمل في طياته المدفونة جدولة لتاريخ هجري جديد غير المُوثق في المنطقة العربية، وقد حذرت من سلبيات هذه الخطوة على المهاجرين العرب للقارتين الأمريكية والأوروبية، والتي أخذت تنتقل إلى المهجر الجديد للعرب في إفريقيا.

وللحديث بقية .. ومن قوله تعالى (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج)، والسؤال ما هي الأدوات السياسية التي ستجعل هذه الآية الكريمة حرباً قادمة يخوضها العرب؟، وما هو البعد الحقيقي لإختلاف المواقيت وتأريخها على مكانة المقدسات الإسلامية وحصنها العقائدي؟!.

……………………………………………………………………………………………………………………………………………………………….

لست من دعاة الحديث عن دمج المنظومة الإسلامية وزجها بأحداث الشرق الأوسط العربي، وما أصبح ذلك أمر حتمي، فلا بأس لمن يُتقن مناهج البحث السياسي وأدبيات الفقه الإسلامي بالخروج بمقال أو بحث يحمل فنون ربط القواعد الشرعية بأدواتها السياسية المُناسبة للمجتمع، وبهذا تتطور قدراتنا البحثية للتنبه من الوضع غير الصحيح، فالسياسة والدين بأدوات غير صحيحة الربط نتاجه قاتل لشعوب بأكملها وإنهيار دول بأنظمتها.

وما يجعلني أمضي قدماً لتناول موضوع “عبادتي الصوم والفطر” بمقال سنوي، يرجع إلى ثقل حجم الأهمية، والتي تولدت عبر جانبين، هما:

أولاً: الإهمال الإعلامي العربي لهذه الواقعة السنوية في بلاد المهجر، كما أن الإعلام العربي المُهاجر بأمواله وكفاءاته ما زال بعيداً عن الوسط الذي يعيش فيه، كأوروبا وأمريكا، وما هو مطلوب منهم برسم ونقل صورة حياة تلك المجتمعات الغربية، ومستقبل الأقليات العربية والمسلمة هناك.

ثانياً: علم المواقيت هو الأكبر والأهم في علم التاريخ والتدوين، وما يزيد عن تعريف الوقت وتحديده أيضاً هو العبادات والمناسبات الدينية، فكان للمواقيت الدينية دور كبير في تأريخ وتدوين التاريخ العربي والإسلامي. كما أن التوافق على المواقيت له مقاييس تطور الإنسانية وعلومها، والتاريخ المُرقم هو كفيل بوصف ونقل الوقائع والأحداث الماضية وتراجم عظماء الأمة بدقة لا تقبل الطعن والشك.

ولكن ما يحدث على ساحة المُهاجرين العرب وغير العرب للأمريكيتين وأوروبا، والذي أخذ ينتقل إلى ساحة المُهاجرين الجدد لإفريقيا، هو أشبه ما يكون بنظام فقهي جديد، ينطلق إلى منظومة تاريخ إسلامي جديد، عبر جديدين لم يعرفهما العرب من قبل، وهما:

الجديد الأول: التوجه نحو منظومة مواقيت جديدة للعبادات الإسلامية الجماعية، من خلال إعتماد مواقيت عبادتي الصوم والفطر والأضحى على غير مواقيت العرب، بمقدار يوم أو يومين.

الجديد الثاني: التوجه نحو منظومة مُسميات جديدة لم يعهدها العرب من قبل، من خلال وضع تسميات سياسية لبعض أيام العبادات، كتسمية الجمعة الأخيرة من رمضان (اليتيمة) في العهد الفاطمي، ثم (الأقصى) في العهد الخميني.

والشاهد من الجانبين الأول والثاني، أن كليهما يتوجه لزاوية واحدة، وهي مرحلة تشكيل تاريخ إسلامي جديد، ينطلق من نفس العبادات التي يُمارسها العرب، ولكن بتسميات ومواقيت جديدة، كما أن هذه التسميات رسَمت طقوساً جديدة، أي أن العبادات لا تتحقق إلا بــ (الحزن والغضب في نهاية شهر رمضان، والمُناهضة والمظاهرة يوم الوقوف على جبل عرفات).

إذاً؛ الصورة المرسومة أعلاه ما زالت غير واضحة في المنطقة العربية، نظراً لإرتباط الشعب العربي بحكوماته قطعاً في جانب المواقيت، بينما أخذت بالظهور والصعود في غير الدول العربية، كالهند وباكستان وإيران، وأخذ تأثيرها يمتد إلى الجاليات المُسلمة من العرب وغيرهم المُتواجدين في بلاد المهجر.

ولكن؛ التأثير المباشر وغير المباشر سوف ينتقل إلى المنطقة العربية عبر سنوات، وربما بعد العشرات منها في المستقبل، من خلال عودة الكثير من الُمهاجرين العرب إلى الوطن العربي يحملون ثقافة (حرية إختيار المواقيت وفق تعدد الطقوس وتنوع التاريخ).

ويُمكن القول؛ أن بلاد الحرمين هي الأكثر تأثراً وبشكل مُباشر من هذه المنظومة الفكرية الجديدة من خلال رعايتها لإستقبال جميع المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها لأداء عبادتي الحج والعمرة على مدار العام. وما يتضح للجميع أن هناك محاولات من البعض لتوسيع (دائرة العبادات السياسية)، ومع ذلك ما زالت الأمور تحت زمام الحزم والقوة.

ولكن مع مرور السنوات ونشأة الأجيال الجديدة بالملايين في بلاد المهجر، حيث يحملون هويات المواطنة الأجنبية، سوف يجد العرب أنهم أمام منظومة جديدة، وهي أن الدول الأجنبية كفيلة بحماية مواطنيها من المسلمين، وضمان توجهاتهم في طرق أداء العبادات الإسلامية وأوقاتها وطقوسها حسب مواقيتهم الجديدة، وبدعم من منظمات حقوق الإنسان والقانون الدولي للضغط على الدول العربية بقبول ممارسة المهاجرين لعباداتهم الإسلامية كما يرونها أثناء تواجدهم في المقدسات الإسلامية.

خلاصة القول؛ أن التاريخ العربي بنصوصه ومواقيته شهد لهذه الأمة بالقوة والعلم والنشاط، وقد حافظ العرب على الإرث التاريخي برعايتهم للنصوص والمواقيت، ولكي يستمر العرب في ريادتهم الحافظة للتاريخ، ليس لهم إلا التواصل المُباشر مع مسلمي المهجر، وخاصة العرب وإحتضانهم بالمواقيت المُعتمدة في جميع بلاد العرب.

إن الخلاف بين العرب وغيرهم من المسلمين يقع ضمن النصوص التاريخية فقط، واليوم أخذ يمتد من النصوص إلى المواقيت، والمقدسات الإسلامية لا يُمكن أن تتسع لميقاتين أو ثلاثة مواقيت لعبادة واحدة، فهل يُعقل أن يكون الوقوف على عرفات على مدار يومين أو ثلاثة أيام؟!، أم هل يُعقل أن السماح للبعض بحرق أعلام الإمبريالية في صحن الطواف بالكعبة المشرفة سوف يسمح للمهاجرين الجدد برفع أعلام الإمبريالية على صحن الطواف وجبل عرفات؟!.

لذلك هي رسالة واضحة للعرب جميعاً، بأن الفتوى الإسلامية بحرية إختيار المواقيت لكل جماعة ودولة كما تراه مُناسباً قد وقعت على أدوات سياسية غير متوافقة مع قوله تعالى (قل هي مواقيت للناس والحج) … وأنها سوف تقود العرب جميعاً إلى حرب من أجل ذلك!.

أخبار ذات صلة

Check Also
Close
Back to top button