وكان رئيس «الكيان» روفين ريفلين هدفاً للتحريض من قبل الجماعات الإرهابية اليهودية بعد انتقاده حرق عائلة دوابشة عندما كتب على صفحته في «الفيس بوك» قائلاً: «يفوق شعوري بالألم شعوري بالخجل على قتل رضيع صغير». وتلقى ريفلين تهديدات بالقتل أهمها سيكون «مصيرك أسوأ من مصير شارون». وكان شارون أمضى ثماني سنوات في غيبوبة قبل وفاته. واضطر جهاز المخابرات (الشاباك) إلى إصدار بيان هاجم فيه الجماعة الإرهابية التي نفذت جريمة حرق عائلة دوابشة واعترف الجهاز بما كانت السلطات الرسمية الاحتلالية تنفيه من أن هذه الجماعات تحاول إقامة مملكة يهودية في الضفة الغربية وقلب نظام الحكم في الكيان «الإسرائيلي»، وقال بيان نادر أصدرته المخابرات بعد اتهامه باستخدام القوة لانتزاع اعترافات من المتهمين بحرق عائلة دوابشة، إن التنظيمات اليمينية المتطرفة هي تنظيمات معادية ل«إسرائيل» وتحاول قلب نظام الحكم وتنصيب ملك على رأس الحكم(!!). وهذه إشارة إلى تنظيم إرهابي يعمل منذ سنوات بهدف تدمير المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم لتسريع ظهور المسيح الذي سيقيم مملكة ويكون ملكاً على «إسرائيل».
ولعل بروز الفكر الإرهابي لهذه الجماعات في الفترة الأخيرة بشكل علني وممارسات علنية أدى إلى دق جرس الإنذار بين بعض «الإسرائيليين» الذين باتوا ينظرون إلى هذه الجماعات باعتبارها حركات دينية يهودية متطرفة معادية للحركة الصهيونية (!!) ووصفها الكاتب «اليساري» اوري افنيري بأنها «تمثل اليهودية الجديدة المتعصبة العنيفة القاتلة التي يمكنها دفن الدولة الإسرائيلية»، ودعا إلى يقظة علمانية لإنقاذ «إسرائيل» من الكارثة. ولم يقتصر الأمر على رئيس الكيان «الإسرائيلي» والمخابرات وافنيري في انتقاد هذه الجماعات، بل أعرب ثلاثة من قادة جهاز المخابرات السابقين، هم آفي ديختر ويعقوب بيري وعامي ايالون، عن قلقهم من هذه الجماعات على مستقبل الكيان وخطر وقوع عمليات اغتيال جديدة ضد مسؤولين سياسيين، وبالطبع انتقد هؤلاء عدم تطبيق قانون مكافحة الإرهاب ضد هذه الجماعات والتسامح معهم والتغطية على جرائمهم وعدم وقف تحويل الأموال اليهم.
وكانت الحكومات «الإسرائيلية» المتعاقبة تساهلت مع الإرهابيين اليهود دائماً، وخرج الإرهابيون من السجون بعد قضاء سنوات قليلة مثل أعضاء التنظيم الإرهابي الذي نفذ سلسلة عمليات قتل ضد الفلسطينيين في أوائل الثمانينات، وكان يخطط لتدمير المسجد الأقصى، وحكم على أعضاء منه بالسجن المؤبد لكنهم خرجوا بعد سنوات، كما ان خطر الاغتيالات السياسية يبدو أكثر احتمالاً الآن خاصة لمن ينتقد ممارسات الإرهاب اليهودي، فهل يلقى هؤلاء مصير اسحق رابين؟
ولعل ما يثير الدهشة هو أن أنصار الإرهاب، بل والإرهابيين أنفسهم يجاهرون بعقيدتهم الإرهابية علناً كأنهم لا يبالون بالقانون، وكأنهم يعرفون أن هناك أحزاباً في حكومة اليمين تدعم الإرهاب وستمنع أن يبقى الإرهابيون في السجون حال اعتقالهم. وما الاحتفال الهمجي الذي أقامه أنصار التنظيم الإرهابي الذي احرق عائلة دوابشة في حفل زفاف عريسين من أصدقاء المعتقلين المتهمين بحرق العائلة الفلسطينية إلا أحد الأدلة على تفشي الفكر الإرهابي بشكل واسع، حيث رفع المحتفلون السلاح والسكاكين والزجاجات الحارقة، وقام احدهم بغرز سكين في صورة الطفل الرضيع علي دوابشة الذي استشهد في جريمة حرق عائلته. وتبين أن السلاح الذي كان يرفعه الإرهابيون في الحفل هو سلاح زوده بهم جيش الاحتلال. ما يعني أن كل هذه الجماعات الإرهابية نمت وترعرعت وتسلحت وتم تمويلها رسمياً من قبل الحكومات «الإسرائيلية»، ولكنها الآن وقد سيطرت على أحزاب في الحكومة وعلى مئات الآلاف من المستوطنين، صارت تعمل وفق عقيدتها الإرهابية في تدنيس المقدسات وقتل الفلسطينيين وتحدي الكيان ذاته.
بعد عقود من الدعم اللامحدود والتغطية على جرائم المستوطنين التي صارت يومية ضد الفلسطينيين، قلبت مخابرات «إسرائيل» الداخلية (الشاباك) ظهر المجن للجماعات الإرهابية الاستيطانية التي تنشط في الضفة الغربية، وتمارس الحرق والقتل والنهب والاعتداءات والتنكيل ضد الفلسطينيين، وجاء الصدام بين مخابرات الاحتلال وبعض الجماعات الإرهابية على خلفية اعتقال ثلاثة من أفراد جماعة إرهابية يهودية متهمين بحرق عائلة دوابشة في قرية دوما الفلسطينية، وقد ظلت الجريمة من دون حل لأن المنفذين أعضاء في جماعة إرهابية تعيش في تلال الضفة وتنتقل من مكان إلى آخر في المستوطنات وتحظى بحماية من المستوطنين والأحزاب اليمينية، وفي أحيان كثيرة لا يستخدم أفرادها أجهزة الاتصال. وتتلقى هذه الجماعات دعماً مالياً كبيراً من جمعيات وشركات أمريكية تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات سنويا، باعتبار أنها تبرعات خيرية تخصم من الضرائب، وغضت الحكومات «الإسرائيلية» الطرف عن أنشطة هذه الجماعات الإجرامية الاستيطانية، كما تغض السلطات الأمريكية الطرف عن تدفق المساعدات المالية التي تصل إلى هذه الجماعات من الولايات المتحدة، خاصة أن كثيراً من أعضاء هذه الجماعات هم مهاجرون من الولايات المتحدة ويحملون الجنسية الأمريكية، فإذا تعرض احدهم إلى إصابة، أو قتل في الضفة الغربية اعتبرته السلطات «الإسرائيلية» مواطناً أمريكياً تعرض لاعتداء فلسطيني، وإذا اعتدى على الفلسطينيين فهو «إسرائيلي» وليس أمريكياً.