جاء قرار إحالة الفريق محمد مدين قائد المخابرات القوي إلى التقاعد في سبتمبر الماضي كـ”الزلزال السياسي”، وذلك ضمن سلسلة تغييرات غير مسبوقة شهدتها المؤسسة العسكرية ، وصلت حد محاكمة جنرالات سابقين.
وتم نهاية أغسطس الماضي سجن القائد السابق لجهاز مكافحة الإرهاب في المخابرات الجنرال عبد القادر ايت أوعرابي”أحد المقربين من الفريق محمد مدين”، وأحيل إلى القضاء العسكري بعد أن أدين بخمس سنوات سجنا نافدة نهاية نوفمبر الماضي، بتهمة بتهمة إتلاف وثائق عسكرية، ومخالفة أوامر عسكرية، حسب هيئة دفاعه.
كما اعتقلت مطلع أكتوبر الماضي، الجنرال المتقاعد حسين بن حديد، بعد تصريحات هاجم فيها الفريق أحمد قايد صالح، قائد أركان الجيش ووسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس ومستشاره الشخصي، وهو يقبع حاليا في السجن في انتظار محاكمته بتهمة إفشاء أسرار عسكرية.
ويصف مراقبون ووسائل إعلام محلية هذه السنة بأنها كانت “خريف الجنرالات” في الجزائر، فيما تقول الموالاة إنها تغييرات لتعزيز أسس دولة مدنية، بينما تؤكد أحزاب وشخصيات معارضة أنها تعكس صراعا في هرم السلطة بين الرئاسة وجناح في المؤسسة العسكرية كان يقوده الفريق محمد مدين المقال من قيادة المخابرات.
وقال عمار سعداني الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في تصريحات صحفية ، إن تنحية الفريق مدين هو انهيار لدولة موازية، لأنه كان يمتلك أذرعًا سياسية وإعلامية، كانت تعيق قيام دولة مدنية في الجزائر سيضع معالمها تعديل دستوري سيجريه بوتفليقة مطلع عام 2016 بحسب سعداني.
الفساد
وعالجت محاكم جزائرية خلال سنة 2015، اثنتين من كبريات قضايا الفساد في بلاد صنفها تقرير للمنظمة غير الحكومية “الشفافية الدولية” عام 2014 في المركز الـ 105 في مؤشر الدول الأكثـر فسادا في العالم، وهي دولة تعتمد عائداتها من العملة الأجنبية على صادرات النفط والغاز بنسبة 97 بالمائة.
ويتعلق الأمر بقضية فساد عرفها مشروع الطريق السيار شرق- غرب الممتد من الحدود التونسية شرقا إلى الحدود المغربية غربًا، على مسافة أكثر من 1200 كم، ويسمى بـ “مشروع القرن” في الجزائر.
وأصدرت محكمة جنايات العاصمة مطلع مايو الماضي، أحكامًا بالسجن وصلت عشر سنوات بحق 12 متهما بالتورط في اتهامات بـ”الفساد المالي” في القضية، وذلك بعد أسابيع من المرافعات في الملف.
وقال مصطفى عطوي، رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد (غير حكومية)، في تصريحات سابقة، إن قيمة “الفساد في المشروع بلغت 4 مليارات دولار”، علما أن كلفته 13 مليار دولار حسب السلطات الرسمية.
وأصدرت محكمة الجنايات بالبليدة (جنوب العاصمة)، في 23 يونيه الماضي، قراراً بحبس رجل الأعمال عبد المؤمن رفيق خليفة، 18 سنة نافدة بتهم “تشكيل جماعة أشرار والسرقة والتزوير واستعمال وثائق مزورة”.
وتسمى قضية عبد المؤمن خليفة محليًّا بـ”فضيحة القرن”، بعد اكتشاف السلطات تأسيسه بنكًا خاصًا مطلع العقد الماضي أغرى من خلاله شركات عمومية ومواطنين، بنسب فوائد كبيرة لإيداع أموالهم لديه، قبل أن يتبيّن أنها عملية احتيال لتهريب الأموال نقدًا نحو الخارج عبر شركة طيران أسسها المتهم لذات الغرض كلفت المساهمين وخزينة الدولة 5 مليارات دولار، قبل أن يفر إلى بريطانيا عام 2003 ليتم ترحيله نهاية عام 2013 إلى الجزائر.
وتقول السلطات ان هذه المحاكمات، دليل على الإرادة السياسية في مكافحة الفساد، فيما ترى المعارضة ومنظمات حقوقية غير حكومية أنها محاكمات شكلية لتصفية هده الملفات، كونها استثنت كبار المسؤولين الدين حدثت في ظل تسييرهم لشؤون البلد من المحاكمات.
عام التقشف
وتوصف سنة 2015 بالجزائر بسنة “التقشف” شعبيا و”سنة ترشيد النفقات” رسمياً، كونها شهدت إجراءات حكومية لتخفيض الإنفاق العام وصلت حد إلغاء مشاريع للبنى التحتية، بسبب تراجع اسعار النفط في السوق الدولية، التي تمثل ما نسبته 97 بالمائة من عائدات البلاد من العملة الأجنبية.
وخّلف انهيار أسعار النفط في السوق الدولية، خلال الأشهر الأخيرة، تراجعاً في إيرادات الطاقة بنسبة 40.7 بالمئة، حسب وزارة المالية الجزائرية.
وبلغ العجز التجاري للجزائر 10.825 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من 2015، مقارنة مع فائض 4.29 مليار دولار في الفترة المقارنة قبل عام.
وقال وزير المالية عبد الرحمان بن خالفة، منذ أيام، إن احتياطيات النقد الأجنبي للبلاد، ستتراجع إلى 151 مليار دولار بنهاية العام الحالي، ثم تصل 121 مليار دولار في ديسمبر 2016 بعد أن كانت 193 مليار دولار نهاية 2014.
وتضمن قانون موازنة 2016 الذي رفضته المعارضة، زيادات في الضرائب والجمارك وأسعار الديزل والكهرباء المدعومة من قبل الدولة، والتي تقول الحكومة إنها لن تمس الفئات ضعيفة الدخل.
وشهدت الجزائر بداية عام 2015 حراكًا دبلوماسيًا كبيرًا حول الأزمة في مالي، بعد استضافتها وقيادتها لوساطة دولية دامت 8 أشهر بين الحركات المتمردة في الشمال وحكومة باماكو، توجت بالتوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق للسلام مطلع مارس/ آدار 2015 بالجزائر، قبل التوقيع النهائي عليه من جميع الأطراف في يونيو بالعاصمة باماكو.
وافتتحت في 16 أبريل بالجزائر، تظاهرة (احتفالية) قنسطينة (شرق) عاصمة للثقافة العربية لعام 2015 وذلك بعد اختيار المدينة في ديسمبر، لتكون عاصمة الحدث من طرف المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة “أليكسو” ومازالت فعاليات هذه الاحتفالية متواصلة في شكل تظاهرات ثقافية وفنية عربية متنوعة إلى غاية أبريل القادم.
شخصيات رحلت
وفقدت البلاد مطلع 2015 الكاتبة الشهيرة، آسيا جبار، والتي توفيت في 8 فبراير2015 عن عمر ناهر 78 سنة بأحد مستشفيات باريس .
وتعد الراحلة جبار أول امرأة عربية تدخل اكاديمية الأدب الفرنسي الراقية عام 2005 وترشح لجائزة نوبل للآداب، كما اشتهرت بالرواية وبكتابات ادبية في مختلف المجالات، وكذا دفاعها المستميت عن حقوق المرأة لدرجة وصفها بـ”محامية النساء”، من قبل ناقدين وكذا “المرأة المقاومة” لنضالها من اجل استقلال الجزائر عام 1962.
وفقدت الجزائر في نهايتها وبالضبط في 23 ديسمبر 2015 “حسين آيت أحمد” أحد أبرز قادة ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي (1954/1962)، الذي يوصف بأقدم معارض لنظام الحكم في البلاد، وذلك بعد معاناة طويلة مع المرض في منفاه الإرادي بسويسرا.
ووصف الرئيس الجزائري أيت أحمد بالقامة التاريخية وانه “معارض شريف”، وذلك في رسالة تعزية لأسرته.