اختتمت في باريس القمة العالمية حول المناخ وبمشاركة 195 دولة. وانتهت المجموعة الدولية إلى إعلان وصف بالتاريخي يقضي بدفع كل الدول بما فيها القوى العظمى إلى تحمل مسؤولياتها وإلى المساهمة الفعلية في خفض نسق ارتفاع درجات حرارة كوكب الأرض التي باتت تهدد البشرية بالانقراض.
اتفاق باريس الذي رحبت به الدول العظمى ينص على جملة من القرارات المهمة التي لو تم تنفيذها لأمكن الحد ولو جزئياً من خطر التغيرات المناخية المتسارعة. وينص الاتفاق على تعهد المجتمع الدولي بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها «دون درجتين مئويتين»، قياساً بعصر ما قبل الثورة الصناعية، وبمتابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية. وهذا يفرض تقليصاً شديداً لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري باتخاذ إجراءات للحد من استهلاك الطاقة والاستثمار في الطاقات البديلة وإعادة تشجير الغابات.
وتتمثل أحد أهم إجراءات الاتفاق في وضع آلية مراجعة كل خمس سنوات للتعهدات الوطنية التي تبقى اختيارية. وستجري أول مراجعة إجبارية في سنة 2025 ويتعين أن تشهد المراجعات ما أسماه بيان باريس ملاحظة «إحراز تقدم». وفي عام 2018، تجري ال 195 دولة أول تقييم لأنشطتها الجماعية وستُدعى في 2020 على الأرجح لمراجعة مساهماتها.
وبحسب هذه القرارات الملزمة لكافة الدول، فإن القوى العظمى التي كانت تتمتع بنوع من الحصانة في الاتفاقيات الدولية منذ قمة الأرض في ريو دي جانيرو، في يونيو/حزيران من عام 1992، ستكون هي الأخرى ملزمة بمراجعة سياساتها نحو مزيد من خفض انبعاث الغازات الملوثة للبيئة أي التوجه قطعاً إلى الطاقات البديلة واستخدام الطاقات النظيفة. وبحسب هذا الاتفاق الذي اعتبر الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنه سيمثل منعطفا مهماً في تاريخ البشرية، فإن الدول النامية و المتضررة من التغيرات المناخية ستتمتع بمساعدات لمجابهة آثار الكوارث الطبيعية الناتجة عن اضطراب المناخ، كما أنها ستحصل على مساعدات من أجل الانتقال إلى عصر التكنولوجيات الحديثة. وهنا يحق لنا التساؤل عن موقع العرب في هذه الحرب العالمية على التلوث؟ وهل للعرب القدرة على أن تكون لهم الفاعلية في عصر قد يبدو أنه لن يكون عصر النفط؟
الحرب الدولية على التلوث، ستتطلب أموالاً طائلة، على المجموعة الدولية أن تسارع بتوفيرها، لأن مدة الخمس سنوات لإجراء التقييمات الدولية الأولية لمدى نجاح الحكومات في الالتزام بمقررات باريس، سيعني اتخاذ إجراءات محلية سريعة للانخراط في هذا الجهد الدولي.
وفي الوضع العربي هناك حالتان يمكن الوقوف عندهما. فالصنف الأول هو الدول غير النفطية، وهي دول غارقة في الأزمات الاقتصادية وتبحث عن حلول للخروج من أزماتها وهي مستعدة لقبول أي استثمارات حتى و إن كانت ملوثة، من أجل توفير فرص العمل وتحقيق نسب نمو تبعد عنها شبح أزمات اجتماعية خانقة. وضمن هذه الدول نجد مجموعة من الدول التي تعاني أزمات سياسية وأمنية ويبدو أنها غير معنية في هذا الوضع الذي تعيشه بملف المناخ والحرب العالمية على التلوث. أما الصنف الثاني من الدول فنعني به الدول النفطية، والتي يتوقف على إنتاجها الاقتصاد العالمي ككل.
وإذا كان بيان باريس، يقر بضرورة التوجه إلى ما يسميها الصناعات النظيفة، فعلينا الإقرار أن العالم يتوجه فعلياً إلى عصر ما بعد النفط، وهو ما يعني آلياً أن الثروات النفطية التي كانت تمثل على مدى عدة عقود محرك الاقتصاد العالمي سيتم التخلي تدريجياً عنها، وهو ما سينعكس على أسعارها في المستقبل خاصة أن النفط هو المتهم الأول بانبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي يقف وراء التغيرات المناخية. لكن العرب لهم أكثر من ورقة قوية ليكونوا فاعلين في هذه الجهود الدولية المستقبلية.
هذه فرصة بالنسبة للدول العربية للاستفادة فعلياً من التكنولوجيات الحديثة، والمتطورة وتوظيفها في وضع أسس جديدة للتنمية الاقتصادية. وهنا على الدول العربية أن تعمل من الآن على أن تهتم بالبحث العلمي وأن ترصد له أموالاً طائلة وأن تعقد شراكات مع الجامعات التي تعمل في هذه الاختصاصات.
للدول العربية طاقات مهمة، لا تقل في شيء عن ثروة البترول، فهذه الدول تمتلك مساحات شاسعة من الصحارى، و هي مناسبة لإنتاج الثروات من الطاقات الجديدة مثل الطاقة الشمسية و طاقة الرياح.
الدول العربية تعد منتجاً رئيسياً لطاقة الغاز الطبيعي وهذه الطاقة تعد صديقة للبيئة وهي أقل ضرراً من البترول، وقد تكون الطاقة الأهم في المستقبل القريب. ولعل جزءاً كبيراً من الحروب المشتعلة حالياً في أكثر من منطقة، تعود في أحد أسبابها بالنزاع على مصادر طاقة الغاز ومسالك توزيعها إلى العالم.
إن الدول العربية لا يمكن لها أن تكون خارج هذا الجهد الدولي من أجل الحرب على التلوث، وهي تمتلك أكثر من ورقة قوة لتكون لاعباً رئيسياً في هذه الخطط الدولية، لكن ما تفتقر إليه هذه الدول هو غياب سياسات حكومية واضحة، وغياب هياكل عربية فاعلة تمتلك الإرادة وتمتلك الإمكانات التي تجعلها مساهماً في تنفيذ البرامج الاستثمارية العملاقة. وهذا يتطلب تغييراً جذرياً في السياسات العربية تجاه جملة القضايا الدولية، لأن التعامل بذات الأساليب القديمة، سيجعل العرب في مرتبة متأخرة دوماً ولن تسمع لهم كلمة حتى وإن كانوا يمتلكون كل ثروات العالم. في العلاقات الدولية هناك دائماً ما يعتبر فرص النهوض، يمكن أن يكون مؤتمر باريس قد وضع فرصة جديدة أمام العرب من أجل أن يغيروا من أنفسهم أولاً ومن أجل أن يسهموا في تغيير العالم في هذا المنعطف التاريخي، كما أسماه الرئيس الأمريكي.