أفشت صحيفة هآرتس «الإسرائيلية» ما نتج عن مفاوضات ثنائية مع تركيا بشأن التوصل إلى اتفاق لطي صفحة حادثة سفينة مرمرة في العام 2010.
التسريبات التي نشرتها الصحيفة تشير إلى التوصل إلى اتفاق مبدئي بين مدير عام الخارجية التركية فريدون سينيرلي أوغلو، ورئيس الاستخبارات «الإسرائيلية» الذي مثل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في مباحثات جرت في سويسرا.
الاتفاق الأولي يتضمن تعويضات لضحايا الحادثة الأتراك التسعة تقدر بعشرين مليون دولار، مقابل تطبيع العلاقات وتبادل السفراء وسحب الدعوى التركية بحق عسكريين «إسرائيليين»، وتقييد حركة «حماس» من العمل في تركيا. ولم يشر الاتفاق بحسب «إسرائيل» إلى مسألة رفع الحصار عن غزة، وهو أحد الشروط التركية السابقة لتطبيع العلاقات.
الدخول في التفاصيل التقنية للاتفاق لا يفيد كثيراً نظراً لأن الظروف العامة في المنطقة تجاوزت هذه التفصيلات وتعدتها إلى الأمور الجوهرية.
بمعزل عن مناخ التحفظ في تركيا عن قبول القول إن اتفاقاً قد تم التوصل إليه، فإن العلاقات بين تركيا و«إسرائيل»لاحتاج، في رأينا، إلى كل هذه الضجة رغم أنها تحمل الكثير من الدلالات.
فالعلاقات التي توترت بعد حادثة أسطول الحرية في مايو/أيار 2010، ومن قبلها حادثة «دافوس»، عندما رفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الصوت عالياً بوجه الرئيس «الإسرائيلي» شمعون بيريز، لم تتوقف في يوم رغم هاتين الحادثتين.
فالعلاقات الاقتصادية كانت منذ العام 2010 تزيد كل سنة بمعدل 35 في المئة عن العام الذي قبله، بحيث وصلت ذروتها هذا العام بحجم تبادل تجاري بلغ ستة مليارات دولار.
ولم يتوقف التعاون بينهما على الصعيد النفطي، حيث إن النفط المستخرج من إقليم كردستان العراق كان يجد طريقه للتصدير عبر تركيا إلى «إسرائيل»، رغم اعتراض الحكومة المركزية في بغداد. وتعكس الوثائق المنشورة أن النفط المهرب من قبل تنظيم «داعش» في سوريا والعراق كان يأخذ طريقه إلى تركيا عبر سوريا مباشرة، أو عبر العراق، ومن تركيا يتم تصديره إلى «إسرائيل». وتقول الأرقام التي نشرتها صحيفة «الفاينانشيال تايمز» البريطانية قبل مدة أن 77 في المئة من احتياجات «إسرائيل» النفطية تقابل من نفط كردستان العراق و«داعش».
ومع أنه لا يوجد سفراء بين البلدين لكن العلاقات الديبلوماسية لم تنقطع وبقيت قائمة.
ورغم إلغاء مناورات أو اتفاقيات بين البلدين لكنها لم تؤثر في مستوى التعاون الأمني والعسكري الذي يرتبط أساساً بالمرجعية الرئيسية لكلا البلدين، أي الولايات المتحدة.
اليوم مع ظهور أنباء عن قرب التوصل إلى اتفاق نهائي بين تركيا و«إسرائيل»، فإن العلاقات القائمة بالفعل ستأخذ مجراها العلني والمزيد من تعزيزها وتقويتها مدفوعة بأكثر من عامل.
من الجانب التركي، تجد تركيا نفسها معزولة ومحاصرة أكثر من أي وقت مضى. وقد كان التدخل العسكري الروسي في سوريا، ومن بعده التوتر الذي تلا إسقاط تركيا لطائرة عسكرية روسية دافعاً لتركيا لكي تبحث عن معايير جديدة في علاقاتها الإقليمية تعيد لتركيا بعض التوازن الذي فقدته. وكان الخيار إعادة وصل ما انقطع مع «إسرائيل».
كذلك تجد تركيا نفسها بحاجة إلى بديل لمصادر الغاز الطبيعي تواجه به العقوبات الروسية، وهو ما ينسجم في الوقت نفسه مع المصلحة «الإسرائيلية». فتركيا ترى اليوم أن استيراد الغاز من «إسرائيل» يقلل من اعتمادها على الغاز الروسي، كما أن «إسرائيل» ترى أن تصدير غازها إلى أوروبا عبر خط أنبوب تحت البحر منها إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا هو أرخص بكثير من الخط الذي تخطط له منها إلى اليونان وإيطاليا عبر البحر المتوسط.
وفي نهاية المطاف فإن عودة العلاقات إلى طبيعتها بشكل كامل هي مسألة وقت. وفي لحظة إعلانها سوف يتم النعي الرسمي النهائي لسياسة تركيا في سوريا والعراق، وتجاه روسيا، ولن يجد أردوغان حينها ما يستهلكه في الداخل من خطاب إيديولوجي معادل «إسرائيل». ومع أن أردوغان لن يجد معارضة جدية لمثل هذا التوجه في قواعد حزب العدالة والتنمية غير أن مثل هذه الخطوة إن حصلت ستنهي الحجة الإيديولوجية التي غالباً ما عمل أردوغان على المتاجرة بها بحجة الدفاع عن غزة والقضية الفلسطينية.