نون والقلم

الساحة الفلسطينية مفتوحة لمن يغامر

تبدو الساحة الفلسطينية قاعاً صفصفاً لا حياة إيجابية فيها منذ أن خمد الحديث عن اللجوء إلى قرارات حاسمة وعقد المجلس الوطني الذي تم تأجيله إلى ثلاثة أشهر أو المؤتمر السابع لحركة فتح الذي لن يعقد قبل ستة أشهر، ولبثت الساحة السياسية في وضع انتظار، وكأن العوامل المحيطة في المنطقة تجاوزت أو همشت الموضوع الفلسطيني واضطر الفلسطينيون إلى الانغماس في مماحكات فتح معبر رفح أو تغيير مجلس أمناء مؤسسة محمود درويش، وحتى استشهاد أكثر من شاب يومياً واعتقال العشرات والإعلان عن مشاريع استيطانية جديدة في القدس الشريف واستمرار اقتحام المسجد الأقصى لم تعد تثير أحداً، وكأن هناك من ينوّم الشعب الفلسطيني مغناطيسياً ويوجهه وجهات أخرى لانعدام الموقف الجماعي في وجه الاحتلال أو إيجاد الأرضية الملائمة لتحقيق الحد الأدنى من المصالحة.

فالاشتباك الإعلامي بين فتح وحماس حول فتح المعبر أكد أن الفجوة واسعة بين الطرفين للتفاهم حول أمر ملح يخفف المعاناة عن الفلسطينيين في قطاع غزة، ووصل الأمر بمحمود الزهار إلى القول إنهم لن يسلموا المعبر للمهربين، فيما أن التهريب هو الذي قام به أمراء الأنفاق من حماس في غزة وأفرز أكثر من ألف مليونير، وحالياً خف التهريب بدرجة كبيرة وألمت بحركة حماس ضائقة مالية جعلتها توجه نداءات سرية متزامنة لدول إقليمية طلباً للدعم المالي. وكانت حركة حماس ألهبت سكان غزة بسلسلة من الضرائب المباشرة من باعة الشاورما والخضار والفاكهة وباعة بسطات الفجل على الأرصفة لتدبير موارد مالية لموظفيها البالغ عددهم قرابة 30 ألف موظف لكن عندما تقدم كشوفاً في لقاءات المصالحة لدفع رواتبهم يرتفع العدد إلى 54 ألف موظف. وحالياً بعد فقدان مورد المال من التهريب في الأنفاق اقتصر التهريب من أنفاق قليلة على المخدرات والأدوية المخدرة أي على ما خف وزنه وارتفع ثمنه، وتقوم شرطة حماس بمطاردة أصحاب السيارات التي تعمل بالغاز لأن الضريبة على أنبوبة الغاز تعود على حماس بشيقل واحد فقط يومياً بينما على لتر السولار والبنزين تصل إلى شيقلين على اللتر، وأغلب السولار يأتي إلى محطة الكهرباء كمنحة ويتم بيع جزء منه للسيارات لتحقيق أرباح.

ويبدو أن حركة حماس لا تتذمر من الانفتاح التركي على «إسرائيل» حالياً وهي تتوقع أن تشمل التفاهمات التركية مع «إسرائيل» تخفيف الحصار عليها وربما بحث إقامة ميناء عائم نحو قبرص التركية لأن لنتنياهو مصلحة في تغييب السلطة الفلسطينية حالياً وفرض حصار عليها بالانفتاح على حركة حماس بوساطة تركية.
في المقابل يبدو الوضع في الضفة ليس صحياً حيث الجدل السياسي يغلب على الهم العام وسبل دعم الغضبة الشعبية على الاحتلال، وجرى الإذعان للأمر الواقع وهو أن العمليات ضد الاحتلال من طعن ودهس هي عمليات فردية وجرى إهمالها حالياً وعدم التركيز عليها إعلامياً، وجاءت حركة إقالة مجلس أمناء مؤسسة محمود درويش وكأنها ضربة سياسية لياسر عبد ربه الذي أشرف على تأسيس المؤسسة وبنائها وإقامة المتحف على ربوة في رام الله تليق بالشاعر الكبير، ومولت دولة الإمارات الجزء الأكبر من المتحف، لكن بعد الإطاحة بياسر عبد ربه من أمانة سر منظمة التحرير بقيت المؤسسة تحت سيطرته ما دفع البعض ممن يطمحون إلى الاستحواذ عليها إلى تزيين إقالة مجلس الأمناء للرئيس الفلسطيني الذي يشكل عادة مجلس الأمناء بمرسوم رئاسي واستبداله بمجلس جديد، لكن طريقة الإقالة واستبعاد بعض المثقفين الذين لم يعلموا بالأمر إلا من وسائل الإعلام اعتبره البعض إهانة للمثقفين مثل القاص محمود شقير واعتبرت الخطوة تصفية حسابات مع تيار عبد ربه وسلام فياض ومحمد دحلان.
هذا الوضع الداخلي الذي يبدو متهتكاً يسمح لأية جهة أن تملأ الفراغ وسبق وتحدثنا عن حركة الصابرين الموالية لإيران التي كانت تنشط في أعمال خيرية في غزة ثم انتقلت إلى العمل العسكري بالإعلان عن تفجير عبوة في دورية «إسرائيلية» وهذا يعني بداية الصدام مع حماس، كما اكتشف «الإسرائيليون» عبوات ضخمة معدة للتفجير عند الحدود متصلة بهواتف نقالة، وهذا يعني أن هناك من يحاول ملء الفراغ العسكري في غزة كما أشرنا سابقاً إلى احتمالات ظهور خلايا لتنظيم «داعش» في الضفة وداخل الكيان نفسه. فالأفق السياسي المسدود أمام الشعب الفلسطيني والتجاهل التام لقضيته ومشاكله اليومية وأزماته يجعلان البيئة خصبة لأي جهة لكي تمارس عملها وتستقطب مؤيدين لها لأن الساحة الفلسطينية خالية من القيادة للعمل العسكري ضد الاحتلال فحماس ملتزمة بالتهدئة والسلطة كذلك، ومن يغامر هم أفراد على مسؤولياتهم ولكن قد يأتي من يؤطر هؤلاء لاحقاً وتظهر فصائل جديدة مرتبطة بدول وقوى خارجية يهمها تحريك الوضع الراكد لأسباب سياسية. فكل يحاول الآن ترتيب أوراقه لمرحلة التسويات والمساومات في المنطقة والرابح دوماً هو من يدعي أنه الوصي على الورقة الفلسطينية.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى