في الطبيعة أفضل صيدلية. قول عربي قديم ينطبق تمامًا على عالم اليوم، بعدما بينت دراسة حديثة أن السكن في المدينة يدفع بالانسان إلى اجترار كآبته.
إن نزهة في الطبيعة الخضراء خير دواء للاضطراب، إذ قد تهدئ العقل وتغيّر طريقة عمل الدماغ، بما يحسّن صحة الانسان النفسية، وفقًا لدراسة جديدة مثيرة للاهتمام، تتناول آثار الطبيعة في الدماغ.
فمعظم الناس اليوم يعيشون في المدن، بعيدًا عن الأرياف، ويقضون في الهواء الطلق، خارج المنازل أو المكاتب المقفلة، وقتًا أقل مما كانت تقضيه الأجيال السابقة. لذا، وبحسب تقرير نشرته نيويورك تايمز، سكان المدن أكثر عرضة للاصابة بالقلق والكآبة وغيرهما من الأمراض النفسية من سكان الأرياف.
الدراسات الحديثة تربط بين هذه التطورات، إلى حد ما، إذ وجدت أن سكان المدن، الذين يندر خروجهم في الطبيعة، أكثر تعرضًا للاصابة بأمراض نفسية من أشحاص يعيشون قرب الحدائق العامة، ومن أشخاص يثابرون على الخروج في الطبيعة. فمعدل هرمون الارهاق عند هؤلاء منخفض.
فكيف لزيارة إلى الطبيعة أن تغير مزاج الانسان، وأكثر من ذلك، أن تحسن من صحته؟ هذا السؤال حث غريغوري براتمان، خريج برنامج السلوك المقارن في الطبيعة، من جامعة ستانفورد، على دراسة التأثير النفسي للحياة في المدينة.
وفي دراسة سابقة، نشرها في الشهر الماضي، وجد ورفاقه أن متطوعين مشوا بحرية في مساحات خضراء داخل حرم جامعة ستانفورد كانوا اكثر انتباهًا وسرورًا من متطوعين مشوا الزمن نفسه في مكان مزدحم.
إلا أن هذه الدراسة لم تتطرق للآليات العصبية التي تلعب دورًا في تغيير المزاج هذا. لذا، قرر براتمان ورفاقه أن يشرّحوا الأثر الذي تتركه نزهة “خضراء” في نفس الانسان.
الاكتئاب، الذي يعرف بين علماء المعرفة بتعبير “اجترار المهووسين”، هو حالة نفسية مألوفة لدى معظمنا، إذ يبدو اننا لا نستطيع التوقف عن اجترار أخطائنا. إلا أن هذه الاسطوانة المكسورة، بحسب الصحيفة الأميركية، ليست صحية ولا هي مفيدة.
من خلال دراسته، أدرك براتمان الآتي: “إذا تمكن الباحثون من اقتفاء أثر النشاط الدماغي قبل زيارة الطبيعة وبعدها، سيعرفون أكثر عن دور الطبيعة في تغيير المزاج الانساني”.
فما كان منه إلا أن جمع 38 بالغًا صحيح الجسم، يقطنون المدينة جميعًا، ودعاهم إلى ملء استبيان يوضح حالتهم النفسية. كما فحص الباحثون النشاط الدماغي في هؤلاء المتطوعين، مستخدمين أجهزة مسح تتبع الدفق الدموي خلل الدماغ. فكلما كان الدفق أقوى، كلما كان النشاط الدماغي أكبر. ثم دعوا المتطوعين إلى السير 90 دقيقة في مناطق مكسوة بالأشجار، ثم في مناطق مزدحمة بالسيارات، كل لوحده من دون موسيقى. ثم قاموا فورًا باستدعائهم إلى المختبر لفحص نشاطهم الدماغي.
وجد الباحثون أن السير بين السيارات لم يؤدِ إلى استرخاء الدماغ، خلافًا للمشي في الطبيعة الخضراء.