نون والقلم

التحالف الإسلامي والفراغ الأميركي

أبعد بكثير من مفاجأة «عاصفة الحزم» في اليمن، جاء إعلان المملكة العربية السعودية التحالف العسكري الإسلامي لمواجهة التطرف والإرهاب الذي يضرب في كل أنحاء العالم. وشكّل تشديد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على أن التحالف ليس سنّياً ولا شيعيّاً، أبلغ ردّ على الدعوات الأميركية المتكرّرة إلى «الدول السنّية» لممارسة دور «أكثر فاعلية» في الحرب على الإرهاب. لم يجانب الصواب بالطبع، التفسير الذي يربط هذا الإلحاح الأميركي بتردُّد واشنطن في المنطقة، والعجز عن مواجهة حقائق، من نوع فشلها في دفع الحكم الحليف في بغداد، إلى إيجاد البيئة المناسبة والمتماسكة، لتحرير الموصل من قبضة تنظيم «داعش».

أخبار ذات صلة

تُدرك دول الخليج والسعودية خصوصاً، أن خطورة الأوضاع في المنطقة، منذ اجتاح «داعش» أجزاء واسعة من الأراضي السورية والعراقية، تضعها أمام خيارين: إما التسليم بهذا الواقع الذي سيؤدي إلى تفشّي سرطان الإرهاب، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، وإما المبادرة إلى صيغ مواجهة، تكفل صمود الخليج أمام عواصف ما بعد الربيع العربي.

ويُدرك أهل الخليج أن رهان إيران حليفة الحوثيين التي زوّدتهم المال والسلاح، كان ولا يزال على توريط «عاصفة الحزم» بمستنقع حرب طويلة في اليمن، وبتداعياتها لإحراج التحالف العربي الذي تقوده السعودية لدعم الشرعية اليمنية، واستعادة مؤسسات الدولة التي خطفها الحوثيون عنوة، حين استقووا بطهران، وهي حرّضتهم بوصفهم «مظلومين».

ولأن التحالف العربي نجح في إرغامهم على التفاوض، لإتاحة فرصة لوقف الحرب، لن يكون مستبعداً أن يعرقل المفاوضات مجدداً اللغم الإيراني الكبير، المتمثل في عناد طهران، وإصرارها على اختراق القرار السياسي العربي. ولعل التلميح السعودي إلى احتمال درس إرسال قوة خليجية خاصة إلى سورية، رسالة موجّهة إلى كل من طهران وموسكو وواشنطن.

بداهةً، حسابات التحالف العسكري الإسلامي، تتعدى الأخطار الإقليمية إلى متغيرات دولية متسارعة، لا أحد يمكنه الجزم بمَنْ يُمسِك بدفّتها. وإذا كان السؤال الأول يتناول غياب إيران عن قائمة الدول المنضوية في هذا التحالف، ربما بسبب «خصوصية» تعريفها للإرهاب والمنظمات الإرهابية، وإصرارها على التدخُّل في دول عربية إسلامية (البحرين، العراق، سورية…)، فالأرجح أن تواجه المنطقة «الأصابع الخفيّة» التي ستُسجّل استياءها وانزعاجها من التحالف الإسلامي، بأساليب معهودة.

وبصرف النظر عن صواب الربط بين حادث خطف 26 قطرياً في العراق، وأطراف مستائين من مفاجأة التحالف العسكري الإسلامي، لكنهم عاجزون عن إعلان موقفهم… يأتي هذا التحالف بعدما خبِرت المنطقة طويلاً خواء السياسة الخارجية لإدارة باراك أوباما التي تكتفي بضربات جوية لمواقع «داعش»، يصعب تحديد مدى فعاليتها في انتزاع أسنان هذا التنظيم، فيما هو يتمدّد. ومع كل ذلك، تُكرِّر الإدارة مطالباتها دول المنطقة بتحرُّكٍ «أكثر» نشاطاً في مواجهة «داعش».

الجميع يذكر العبارة التي تردّدت مئات بل ألوف المرات على ألسنة الأوروبيين بعد مجزرة باريس، وكلها يفترض أن كل ما يفعله المسلمون للتنديد بالإرهاب ومواجهته ليس كافياً. والمدهش أن هؤلاء قد يكررون العبارة ذاتها، بعد مفاجأة ولادة التحالف العسكري الإسلامي، أو يدّعون أنهم لا يعرفون أهدافه أو لم يفهموها.

ما يعني العرب والمسلمين أن هذا التحالف سيواجه أي تنظيم إرهابي، فيما دوله أو كثير منها يُدرك تماماً أن عشرات الفصائل والتنظيمات تديرها دول راعية للإرهاب، تتهم سواها به.

ولا حاجة ربما للتذكير بكيفية نشوء البيئة الحاضنة لهذا السرطان، بعد كارثة الغزو الأميركي للعراق والذي استند إلى أكاذيب. والغرابة أن الإرهاب الذي ترعرع هناك مع «فرق الموت» وسواها، أبى أن يمسّ النفوذ الإيراني.

«داعش» و «القاعدة» وأخواتهما، وفروعهما المسجّل بعضها وراء ستار أنظمة، لإلصاق صفة «السنّي» بالإرهاب، كانت وما زالت في حالات عديدة، حاجة لدى بعضهم لاختراع عدو. في حالة «داعش» هذه المرة، تجاوز الخطر مصالح العرب والمسلمين، لذلك تستعد إيطاليا لإرسال 450 عسكرياً لحماية عمالٍ ينفّذون صفقة لتدعيم سد الموصل، ومنع انهياره.

هو نموذج لما قد تؤول إليه خرائط ممزّقة، تحت وطأة الإرهاب. لا يفهم الأميركيون بعد، أهداف التحالف العسكري الإسلامي… وقد تفاجئهم زيارة قاسم سليماني موسكو قبل أيام، حين عقد لقاء «قمة» مع الرئيس فلاديمير بوتين، لدرس مصير سورية والعراق واليمن ولبنان، في ظل التمدُّد العسكري الروسي.

أخبار ذات صلة

Back to top button