نون والقلم

نجاح مؤتمر باريس وانعكاساته على الإمارات والعالم

شهدت الأيام الماضية إبرام اتفاق عالمي تاريخي وضع الملامح الأساسية لمرحلة جديدة من الجهود الدولية الرامية إلى الحد من تداعيات تغير المناخ. وكما أكد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، رئيس المؤتمر الحادي والعشرين للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، في كلمته خلال الاجتماع الأخير من المؤتمر، فإن اتفاقية باريس تشكل منصة انطلاق لمزيد من الخطوات العمليّة.

لقد قادت فرنسا عملية التحضير والتنسيق وإدارة المفاوضات المكثفة التي تخللت المؤتمر بشكل ناجح وبشفافية تامة ما ساهم في الوصول إلى النتيجة المرجوة ألا وهي اتفاقية باريس. كما قامت الأمانة العامة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ بتوفير كافة المتطلبات خلال الفترة التي سبقت الإعلان لخلق بيئة مناسبة لكافة الأطراف المشاركة في المفاوضات.
وكان الوزير فابيوس محقاً تماماً، فهذا النجاح هو مجرد بداية لمرحلة جديدة في جهود الحد من تداعيات تغير المناخ، وهي مرحلة سيكون فيها لدولة الإمارات دور رئيسي، خاصة وأننا نتبع نهج التعاون والعمل المشترك مع المجتمع الدولي.
وتمثل اتفاقية باريس إنجازاً بارزاً ومهماً، فهي ثمرة جهود حثيثة استمرت سنوات وشهدت مفاوضات مكثفة لوضع الأساس الذي سيرتكز عليه التعاون الدولي بشأن تغير المناخ بين عامي 2020 إلى 2030. ولأول مرة، تلتقي جميع دول العالم تقريباً في مسعى جماعي للحد من تداعيات تغير المناخ والتكيف معها، وتتوصّل إلى اتفاق عالمي متكامل يتسم بالمرونة؛ حيث سيتم توفير التمويل والموارد للدول النامية بالإضافة إلى تسريع تطبيق آليات نقل التقنيات وبناء القدرات.
وإلى جانب كون مؤتمر باريس أحد أكبر الاجتماعات بشأن المناخ خلال السنوات الخمس الأخيرة، إلا أن أهميته تمتد إلى أبعد من ذلك بكثير، فقد شهد مشاركة نحو 150 من قادة دول العالم ومسؤولين من القطاعين العام والخاص الذين توافدوا إلى باريس لهدف رئيسي مشترك، هو العمل معاً على تحقيق ما يمكن وصفه بأهم إنجاز دولي في العقد الماضي سعياً للحد من تداعيات تغير المناخ.
وهناك مجموعة من العوامل الرئيسية التي ساهمت في إنجاح المؤتمر، لعل أهمها تقديم الدول المشاركة لخططها ومشاريعها المقترحة مسبقاً. فبحلول موعد انعقاد المؤتمر، قامت أكثر من 186 دولة عضو في الأمم المتحدة بالفعل بتقديم «مساهماتها المستهدفة على المستوى الوطني» والتي تتطرق بالتفصيل إلى الخطوات والإجراءات التي تعتزم تلك الدول اتخاذها بهدف خفض انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري والتكيف مع تأثيرات تغير المناخ، حيث أظهرت الأهداف التي تم الإعلان عنها قبيل المؤتمر للحد من انبعاثات الكربون وجهود كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين والهند ودول أخرى جدية مساعي المجتمع الدولي للتوصل إلى اتفاقية عالمية شاملة للحد من تداعيات تغير المناخ.
وفي هذا الإطار، قدمت دولة الإمارات خطتها الوطنية الطموحة التي تتماشى مع أهدافنا الرئيسية والجهود الكبرى التي نبذلها لتنويع مواردنا الاقتصادية وتطوير حلول الطاقة النظيفة.
وما يميز اتفاقية باريس هو أنها تضع تلك الجهود في إطار مستمر ومتجدد، إذ ستقوم الدول المشاركة بتقديم تحديثات على مساهماتها الوطنية كل خمس سنوات، كما ستلتزم تلك الدول بتبادل المعلومات بشكل منتظم حول ما يتم إحرازه من تقدم ضمن إطار العمل المتفق عليه لضمان الشفافية المطلقة. والأهم من ذلك، هو التزام الدول المتقدمة بتقديم الدعم المالي اللازم لمساعدة الدول النامية في الحد من تداعيات تغير المناخ والتكيف معها، ونقل التكنولوجيا ذات الصلة وبناء القدرات.
ويتمثل هدف الاتفاق الدولي في الحد من ارتفاع درجات الحرارة لأقل من درجتين مئويتين كحد أقصى، كما يتضمن هدفاً طموحاً على ألا تتجاوز 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل حقبة الثورة الصناعية.
وإننا ننظر إلى هذه الاتفاقية كخطوة مهمة للحد من تداعيات تغير المناخ، وكفرصة مهمة لتعزيز النمو وخلق فرص عمل جديدة، لاسيما وأن دولة الإمارات تقوم بدور كبير ومتزايد في المساعي العالمية لتعزيز انتشار مشاريع الطاقة النظيفة وغيرها من الحلول التي تسهم في الحد من تداعيات تغير المناخ. وتماشياً مع ذلك، سنواصل العمل على تحديد أهداف وطنية طموحة لخفض الانبعاثات بشكل طوعي والتكيف مع تأثيرات تغير المناخ وتنويع مواردنا الاقتصادية.
وخلال مرحلة المفاوضات، قامت دولة الإمارات وبالتعاون الوثيق مع دول مجلس التعاون الخليجي بدور فاعل حيث استثمرت على نحو كبير في الدفع باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية قدماً من خلال العمل مع شركائنا الإقليميين والدوليين لضمان تحويل مضمون الاتفاقية إلى خطوات عملية نلمس نتائجها على أرض الواقع.
وشاركت الدولة بجناح مميز في المعرض المصاحب للمؤتمر لتسليط الضوء على جهود الدولة الحثيثة في قطاعي الطاقة المتجددة والاستدامة والتعريف بإنجازات الدولة في تلك القطاعات. كما شارك الوفد الرسمي الممثل للدولة بحوارات ومنتديات عديدة أثناء المؤتمر، ناقش من خلالها التنمية المستدامة والتطور العمراني ومشاريع الطاقة والشراكات العالمية والبحث والتطوير، كما تطرق إلى دور الشباب المحوري وتمكين المرأة في كافة المجالات التي تساهم بشكل رئيسي في جهود الحد من تداعيات تغير المناخ.
ومن هنا، جاءت مشاركة دولة الإمارات في الجلسة رفيعة المستوى التي عقدت في بداية المؤتمر وضمت 20 دولة إلى جانب تحالف من القطاع الخاص بقيادة بيل غيتس، للإعلان عن مبادرة «مهمة الابتكار». وترمي هذه المبادرة إلى مضاعفة حجم الإنفاق على الابتكار في مجال أبحاث وتطوير الطاقة النظيفة في السنوات الخمس المقبلة، وهو ما ينسجم تماماً مع إعلان عام 2015 عاماً للابتكار في دولة الإمارات. وبالتوازي مع ذلك، شاركت الوفود الإماراتية خلال وجودها في باريس في مجموعة واسعة من الجلسات والفعاليات، بما في ذلك إطلاق شراكة جديدة تهدف إلى تطوير تقنيات أكثر كفاءة لتحلية المياه.
لهذه الأسباب مجتمعة، كان الوزير فابيوس على حق عندما قال إن هذه ليست إلا بدايةً للرحلة، فاتفاقية باريس ليست هي الغاية، ولكنها تمهّد لمرحلة جديدة في العمل من أجل الحد من تداعيات تغير المناخ. ومع النجاح في وضع الإطار السياسي العام، فإن الاهتمام سينصب من الآن فصاعداً على ترجمة تلك المقررات السياسية إلى إجراءات عملية ملموسة.

وفي هذا الإطار، سيشكل أسبوع أبوظبي للاستدامة في يناير/كانون الثاني المقبل أول ملتقى عالمي متخصص ينعقد بعد مؤتمر باريس للبحث في نتائجه والخطوات العملية الواجب تنفيذها لتطوير وتطبيق حلول ناجحة للحد من تداعيات تغير المناخ. ومن هنا، سيبدأ المشاركون في أسبوع أبوظبي للاستدامة من صانعي القرار والمستثمرين ومطوري التقنيات والأكاديميين وقادة المجتمع المدني، مساعيهم لتأمين مستقبل أكثر استدامة وازدهاراً للعالم بأسره.

إن ما تم تحقيقه خلال مؤتمر باريس يعد إنجازاً مهماً، وستستمر دولة الإمارات في العمل ضمن الجهود العالمية للحد من تداعيات تغير المناخ والبناء على النجاحات التي تم تحقيقها حتى الآن.

أخبار ذات صلة

Back to top button