تحمل الرياض، كعاصمة مركزية في الشرق الأوسط، ثلاثة ملفات تعالجها بطريقة متوازية، ما يجعل العالم مشدوداً إليها، يستوي في ذلك محبو السلام وتجار الحروب.
أول الملفات اليمن، الذي سيكون وقف النار سبعة أيام وتمديده تلقائياً، المحكَّ والضمانة لوصول المفاوضات اليمنية- اليمنية الصعبة الى صفة «السعادة» التي اشتهر بها اليمن في العالمين العربي والإسلامي. ويبدو موقف الرياض راجحاً في اتجاه السلام، مع استجابة التحالف الذي تقوده طلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وقف النار، على رغم عدم الثقة بتحالف الحوثي- صالح تجاه عهود ومواثيق سابقة.
وسلام اليمن يبدأ بكسر الجليد والعودة الى اتفاقات دولية ومحلية تختصر المسافة بين الحرب والسلام، بدل الانطلاق من نقطة الصفر والغرق في خلافات سبق للأطراف أن توصلوا إلى حلول لها. والعلامة الأساسية في سلام اليمن هي عودته الى محيطه الخليجي وأن يكون متفاعلاً مع هذا المحيط وليس مكاناً لعرقلة استراتيجياته السياسية والاقتصادية والثقافية. وفي العودة الى هذا الانتماء مصلحة لليمن وجيرانه لا تستطيع تقديمها أحلاف أخرى أو مشاريع أحلاف. وربما هذا ما بدأ يدركه الحوثيون وجماعة علي عبدالله صالح الذين خسروا أنفسهم حين ظنوا أنهم سيجتاحون مصالح شركائهم في الوطن وجيرانهم الأقربين.
والملف الثاني هو المعارضة السورية، التي طالما شكا العالم من تناقضاتها التي أدت الى طغيان جماعات إرهابية على مساحات واسعة من أرض سورية وشعبها، حاملة شعارات لا علاقة لها بالثورة وبرغبات الخروج من الديكتاتورية الى الديموقراطية والمساواة بين المواطنين. وقد نجحت الديبلوماسية السعودية في الوصول الى نقاط التقاء بين المعارضين يتحقق فيها معظم أهداف الثورة، وظهرت هذه النقاط في البيان الختامي وإعلان الثوابت وتشكيل هيئة عليا للمفاوضات مع النظام السوري مقرّها الرياض، وذلك لضبط المفاوضات بعيداً من مناورات النظام ومزاودات بعض المعارضين العاطفية أو غير المسؤولة. إنها فرصة للشعب السوري وللعرب وللعالم في بدء مسار تفاوضي عقلاني يحفظ لسورية وحدتها وللسوريين وجودهم على أرضهم مهما كان انتماؤهم الديني أو العرقي. وإذا كان لا بد من تعديلات بسيطة في نقطة أو نقاط عدة، فذلك يتم خلال المفاوضات وتشعُّباتها بالاستناد إلى إعلان الثوابت والتوافقات الإقليمية والدولية ذات التأثير في الحرب السورية وتكون الرياض الجهة الضامنة والمرجّحة، وهذا يؤكد صفتي المرونة والاعتدال في السعودية اللتين افتقدتهما أطراف إقليمية وازنة مثل إيران وتركيا، الأولى بغموضها وانغماسها في الحرب السورية، والثانية بصلابتها البعيدة من السياسة والتي تقسم السوريين بين تابع وعدو.
أما الملف الثالث الذي أعلنته السعودية فجر أول من أمس، فيتعدى المنطقة إلى البلاد الإسلامية والعالم كله الذي يعاني من إرهاب يلبس مسوح الإسلام ويهدد الحضارة الإنسانية، وفي مقدمها الحضارة العربية الإسلامية في عمقها التاريخي وتجلّياتها المعاصرة. والتحالف العربي- الإسلامي الذي أعلنت السعودية تشكُّله من 35 دولة، لا يتعارض مع التحالف الدولي الذي يحارب «داعش» ولا مع أي جهد لأي دولة تحارب الإرهاب. إنه عملية تعاون وتنسيق مع كل دولة على حدة ومع المنظمات الدولية والدول الكبرى.
وفي عنوان التنسيق وعدم الإلزام تتضح صفة التعاون لدى هذا التحالف، وهي صفة مفتوحة للجميع، وإن كان المسلمون معنيين أكثر من غيرهم، لأن الإرهاب يشوّه عقيدتهم الدينية ويحطّم علاقتهم الطبيعية مع الأديان والأقوام في أنحاء العالم.
الرياض عاصمة مركزية، والملفات الثلاثة التي تحملها خطيرة ومعقّدة، لكن السعودية تملك من التجربة والمرونة ما يؤهلها لهذا الحمل الثقيل ويستدعي تعاون أنصار السلام معها.