نون والقلم

تونس ومكافأة نوبل

تسلم الرباعي الراعي للحوار التونسي جائزة نوبل للسلام عام 2015، ولسان حال معظم التونسيين يتساءل عن جدوى هذه الجائزة والدور الذي يمكن أن تلعبه مستقبلاً في ترسيخ ثقافة الحوار واعتماد الخطاب السلمي منهجاً في تجاوز الأزمات، وما أكثرها، التي تواجه البلاد بدءاً من الإرهاب وصولاً إلى الأزمة الاقتصادية المستفحلة، ومروراً بالخلافات السياسية والاجتماعية الكامنة في الخلفية.

بعد أكثر من شهر من إعلان الفوز حتى تسلم الجائزة في أوسلو، طغت فرحة كبيرة على الأوساط السياسية والإعلامية التونسية، أما في الشارع فقد بقيت ردود الفعل متراوحة بين الترحيب واللامبالاة، فالرأي العام ينتظر إنجازات على الأرض من خلال نجاح النخبة في تغيير الواقع وإحداث رجة إيجابية تحقق الشعارات التي ظلت سائدة على المنابر ولم تعرف ترجمة عملية على الأرض.
ومع الاعتراف بأن الأوضاع العامة تتداخل فيها تحديات عدة، إلا أن شيئاً من ترشيد السياسيات والإصغاء إلى نبض الناس والأخذ في الحسبان موقع تونس بين تيارات المصالح الدولية، يمكن أن يساهم في تفجير أغلب التحديات والتهديدات والوصول إلى ما هو أفضل، وهو أمر متاح بالنسبة إلى تونس إذا آمنت بأن لا شيء مستحيل إذا صدقت الإرادة وتضافرت العزائم من أجل المصلحة الوطنية وخير الشعب.
مبرر منح الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، هو نجاح هذه المنظمات الأربع في دفع القوى السياسية إلى تجاوز الأزمة الحادة والتزام الجميع بالمسار الانتقالي وبناء نموذج ديمقراطي في منطقة تعصف بها الحروب الأهلية والفتن. والمنطق يفترض أن المنظمات التي نجحت في تلك المهمة الشاقة بالإمكان أن تضيف لها إنجازاً أهون من السابق، ويتمثل في تعزيز الوفاق الاجتماعي والمصالحة بين المكونات الاقتصادية والثقافية، وإذا تم سد هذه الثغرة فسيتدعم البناء وتكتمل التجربة وتفوز تونس فوزاً عظيماً، يحصن تجربتها من أي منزلقات ما زالت قائمة وتتربص بمسارها.

حين تعدد الحكومة التونسية التحديات التي تواجهها تصنف الخطر الإرهابي في سلم أولوياتها، ثم تذليل العقبات أمام النهوض الاقتصادي وصولاً إلى مرحلة الإصلاح الإداري والسياسي، وهذه القضايا الثلاث تشكل رهاناً كبيراً يترتب على الدولة كسبه لتحقيق الأهداف المأمولة من المشروع الديمقراطي، الذي بدأ رسمياً مع انتخابات العام الماضي في ضوء الدستور الدائم.
وسيظل ملف الإرهاب المعركة الرئيسية للشعب التونسي بكامله، ورغم التقارير التي تبث، متعمدة في كثير من الأحيان، المخاوف من عدم قدرة تونس على كسب هذه الحرب، تمنح التجربة والبيئة الاجتماعية والثقافية البلاد التونسية قوة مضافة، لا تتوفر في غيرها من دول المنطقة، لإزالة هذا الخطر والتغلب عليه.
ولا شك أن قادة المنظمات المدنية، وهم يعودون من أوسلو إلى تونس موسمين بأثمن جائزة عالمية، يدركون المسؤوليات والواجبات التي تنتظرهم والدور الذي يمكن أن يضطلعوا به في المرحلة المقبلة. فمهمتهم الصعبة في إنقاذ البلاد من أزمة كبيرة قبل عامين، لا تكتمل إلا بعد أن تستقر الأوضاع على الأصعدة كافة، وتلك هي المكافأة الحقيقة التي تنتظرها منهم تونس، والمطلوب منهم هو السير على النهج ذاته متسلحين بالوطنية الصادقة ونكران المصالح الشخصية، ولا يبدو ذلك بعزيز على المنظمات المدنية وأولها الاتحاد العام التونسي للشغل الذي ذاع صيته شرقاً وغرباً وأصبح علامة تونسية، وجزءاً أصيلاً في النظام الجمهوري وشاهداً عليه ماضياً وحاضراً.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى