نون والقلم

اكتشاف «إسرائيلي» جديد

الصحافة «الإسرائيلية»، وكتابها الأساسيون، اكتشفت، واكتشفوا فجأة أن هناك «إرهاباً يهودياً». جاء الاكتشاف الباهر بعد جريمتين بشعتين، جريمتي حرق محمد أبو خضير وعائلة الدوابشة. ونتيجة لهذا الاكتشاف، لم يكن ممكناً السكوت. أو الاكتفاء بالقول إن «الإرهاب اليهودي» يأتي رداً على «الإرهاب الفلسطيني». حيث إن الضحايا كانوا عزلاً وخارج المواجهة مع قوات الاحتلال، وصار لزاماً القيام بحملة تضليل لمواجهة حملات التنديد بجرائم «إسرائيل» في الخارج إذ لم يكن ممكناً إخفاؤها عن الأعين، وخصوصاً أعين الأصدقاء المدافعين عنها عادة.

وفي الوقت الذي ظلت أصوات عدة معروفة بتطرفها الشديد تدافع عن المجرمين الذين ارتكبوا الجريمتين، ويطالبون ب«تشديد» الإجراءات القمعية التي تمارسها قوات الاحتلال (وعلى رأسهم الصحفي دان مرغليت) ضد الفلسطينيين، جاء الهجوم على مرتكبي هاتين الجريمتين من جانب المصنفين في خانة «اليسار»، والمطالبين بإنهاء الاحتلال و«الانفصال» عن الفلسطينيين ومؤيدي «حل الدولتين» المزعوم. والمدقق في كتابات هؤلاء «المهاجمين» يكتشف بسهولة أن الهجوم على إرهاب بضعة مجرمين، كأنهم هم كل المجرمين في الكيان المجرم، وكأن الجريمتين هما كل الجرائم، علماً بأن أحداً منهم لن يحاكم، وإن حوكم لن يدان، لم يكن إلا طريقة تبدو «ذكية» للدفاع عن «إرهاب الدولة» التي كان الإرهاب أهم مكوناتها البنيوية قبل قيام «الدولة»، وبعد قيامها، وحتى اليوم.
عند هؤلاء، دائماً يبدأ الدفاع عن إرهاب «الدولة» بالانطلاق من كذبة تزعم أن «إسرائيل» دولة ديمقراطية»، بل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وهي «دولة القانون» التي لا يجوز أن يفلت فيها المجرمون من العقاب، ليصار بعد ذلك إلى تبرئة «المستوى السياسي» من الجرائم التي يقترفها «أفراد خارجون على القانون»، ولينتهي الهجوم بمطالبة الحكومة باتخاذ إجراءات تضع حداً «للإرهاب اليهودي والإرهاب الفلسطيني» معاً، ولتستمر «حالة الإنكار» وعمليات غسل الأدمغة ونسيان جذور الإرهاب. وعندما يذكر أحد بعض تلك الجذور، يذكره من أجل مزيد من التضليل، أو بشروط تلغي المعنى الذي يفترض أنه المقصود من ذكره.
لنتوقف عند بعض الأمثلة لتوضيح ما سبق:

1- في مقال لها في صحيفة (هآرتس- 12-8-2015)، كتبت عميرة هاس: «يجب على رؤساء الشرطة، النيابة والجيش، إثبات أن الدموع التي ذرفوها بعد حرق عائلة الدوابشة حتى الموت، ليست دموع التماسيح. عليهم اتخاذ خطوات حقيقية لإثبات أن صدمتهم ليست من أجل الدعاية لأيام معدودة». وتضيف هاس موضحة: «بالتوازي مع فتح جميع الملفات مجدداً يجب تعيين طاقم مستقل يقوم بالتحقيق مع رجال الشرطة والنيابة العامة الذين أمروا بإغلاق الملفات، ويجب أن تكون الاستنتاجات مكشوفة للجميع. وإذا لم يتم اتخاذ هذه الإجراءات، فسنعرف أن الحارقين- القتلة، الجيش، الشرطة، النيابة العامة وقادتهم في الحكومة هم شركاء كاملون في الجرائم التي حدثت وستحدث…». ألا تعرف هاس أن عشرات مئات الجرائم ارتكبت منذ عشرات السنين وحتى اليوم، وأغلقت ملفاتها؟ وأن الجرائم التي فتحت ملفاتها إنما فتحت لتمجيد المجرمين وتكريسهم أبطالاً؟ وأن الجهات المعنية فرضت عدم نشر أي شيء حول الجريمة التي تتحدث عنها، والحجة انتظار انتهاء التحقيق؟ هل هي بريئة عميرة هاس، أم جاهلة بما يجري، أم تدافع عن إرهاب «دولة «إسرائيل»» ولكن بطريقة ملتوية؟
2- آري شبيط، في صحيفة (هآرتس- 3-12-2015)، بعد هجومه واستنكاره لجريمتي حرق أبو خضير والدوابشة، قال: « يجب عدم التعميم بأي شكل من الأشكال. فدولة «إسرائيل» في نهاية المطاف هي دولة ديمقراطية وأخلاقية وعادلة! حقيقة وخلافاً للتشويهات، فإن الجهاز الرسمي يعمل بشدة ضد الإرهابيين اليهود»! شبيط ليس «بريئا» كزميلته هاس، بل هو يدافع عن إرهاب دولته بوعي وبإصرار وسابق ترصد.
3- دافيد غروسمان، في صحيفة (هآرتس- 2-8-2015)، يعلق على الموضوع نفسه، مشيداً بزيارة نتنياهو وبعض وزرائه إلى المشفى الذي كان يرقد فيه بعض أفراد عائلة الدوابشه قبل أن ينتقلوا إلى الرفيق الأعلى، ثم يقول: «الأمر الذي لا يمكن فهمه، هو كيف ينجح رئيس الحكومة ووزراؤه في الفصل بين النار التي يؤججونها منذ عشرات السنين وبين النار الأخيرة»؟! (يقصد منذ احتلال الضفة قبل 48 سنة). ولكن لينتهي إلى هذا التساؤل: «هل سيدفع هذا العمل إلى صحوة زعماء اليمين، والفهم أن استمرار الاحتلال سيقرب نهاية «إسرائيل» كدولة للشعب اليهودي، وكدولة ديمقراطية»؟ صحيح تمخض فولد دفاعاً عن الإرهاب والإرهابيين وقادتهم.
4- ران إيدلست، في صحيفة (هآرتس- 12-8-2015)، علق على ظاهرة «الاستنكار الواسعة» للجريمة، فقال من دون توسع: «تتحدث العناوين عن أن اليمين الاستيطاني والحكومة التي تؤيده يدافعون ويتخذون خطوات مانعة ضد الإرهاب! هذه طرفة وهروب من المسؤولية. وللحقيقة، فإن الإرهاب اليهودي هو جزء من حملة الاستيطان في الضفة دائماً وأبدا». إيدليست، على الأقل، أشار إلى الاستيطان وعلاقته بالإرهاب، لكنه لم يقل شيئاً عن علاقة الحكومة والمدافعين عن الاستيطان. فرئيس الدولة، رؤوبين ريفلين، كان أول من «استنكر» جريمة حرق الدوابشة، لكنه في الوقت نفسه كان يقول لممثلين عن المستوطنات التقوه في مقره (24-8-2015): «إن حقنا في هذه الأرض لا يخضع لأي نقاش. إنه معطى أساس للصهيونية الحديثة. أرض «إسرائيل» تشمل الضفة الغربية، والإقامة فيها حقنا التاريخي وحقنا القومي».
«إسرائيل»كيان إرهابي، نشأة ومساراً. ومآله، لا محالة، هو السقوط تحت ثقل جرائمه.

نقلًا عن جريدة الخليج..

 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى