نون والقلم

حرب عالمية ثالثة.. الافتراض المراوغ

لم تكن قد مضت ساعات قليلة، على إعلان تركيا إسقاط الطائرة الروسية، حتى طغت على سطح التغطيات الإعلامية، والسياسية، جملة هي: هل تبدأ الحرب العالمية الثالثة؟

أخبار ذات صلة

قبل ذلك بشهور، كان السؤال الغالب، عقب الأزمة بين روسيا والغرب، حول أوكرانيا، هو هل تعود الحرب الباردة؟. وإن كان قد لحق به سؤال آخر عن احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة، ثم بدأ هذا السؤال يتوارى.
أما عن إطلاق السؤال عقب إسقاط الطائرة الروسية، فكان مبعثه القلق من الظروف المحيطة بالحادث، لأن تركيا عضو في حلف الأطلسي. وهذا يعني – نظرياً – أن الأعضاء الآخرين في الحلف، وهم الولايات المتحدة، ومعظم دول أوروبا، ملتزمون بالوقوف إلى جانب تركيا ضد أي هجوم خارجي عليها. أي أن الانزلاق – ولو نظرياً – إلى حرب بين روسيا وتركيا، يمكن أن يشعل حرباً بين روسيا وحلف الأطلسي، تقود إلى حرب عالمية ثالثة.

لكن ما الذي يصنف حرباً على أنها حرب عالمية؟ ومن الذي يقرر أن اشتباكات إقليمية، عند نقطة معينة، يمكن أن تتجمع نيرانها لتصنع ما يسمى حرباً عالمية؟

في تعريف علم السياسة، فإن حرباً عالمية، هي صدام عسكري، أطرافه الأساسية أكثر من دولتين، وتشارك فيه ما لا يقل عن عشرين دولة رئيسية، في هجوم ضد عدو مشترك، بحيث تكون لهذه الحرب أسباب تجذب اهتمام رجل الشارع، الذي سيتحمل أعباءها وخسائرها. وأن هذه الأسباب كانت متوافرة للحربين العالميتين الأولى والثانية.
ويتفق المحللون والخبراء العسكريون والسياسيون، على أن العالم الآن غير مستقر، وتسوده الاضطرابات، والتوترات، التي يمكن لها معاً أن تشعل حرباً عالمية.
وأن الاحتمال قائم في أن يشعل لهيبها حادث بسيط، وربما يكون عرضياً، من ذلك على سبيل المثال، أن تصطدم قاذفة قنابل روسية، محلقة على حدود حلف الأطلسي، بطائرة أمريكية من دون طيار، فيترتب عليه اشتباك جوي. كما أن السموات المفتوحة فوق سوريا المزدحمة بطلعات النفاثات الروسية، على مقربة من الطائرات الأمريكية، مع تأهب الدفاعات الجوية لحلف الناتو في تركيا القريبة منها، يمكن أن يهيئ مجالاً للصدام.
أضف إلى هذا أن أي اشتباك يقود للحرب، يمكن أن يكون معداً له سلفاً، من قوى كبرى تسعى لإعادة تشكيل النظام العالمي، خاصة بعد أن راحت المؤسسات العسكرية، والمخابراتية، والسياسية، في أمريكا والغرب، تتوقع أن يؤدي صعود الصين إلى تغيير ميزان القوى العالمي، وينقل مركز التأثير إلى آسيا. فضلاً عن قلق الولايات المتحدة والغرب عامة، من المدى الذي ستصل إليه الصحوة القومية، التي يقودها بوتين في روسيا، وهي التي تمثل تحدياً للغرب، لم تكن قد حسبت حسابه، حين رسمت خططها المستقبلية، على ضوء فترة التراجع السياسي والاقتصادي لروسيا، عقب تفكك الاتحاد السوفييتي.
وفي إطار الرد على السؤال الأساسي، هناك من يستبعد قيام حرب عالمية ثالثة، لأن ظروف قيامها ليست متوافرة، كما أن روسيا لن تخاطر بحرب كبرى. فالمخاطر بالنسبة لروسيا محدودة. صحيح أنها مهتمة بغاراتها الجوية في سوريا، وقلقة من استفزاز تركيا، الذي اعتبرته متعمداً، وأن نوايا أمريكا مشكوك فيها، لأنها اعتبرت العمليات العسكرية الروسية في سوريا، بمثابة تحدٍ لها، يكشف أسباب العجز الأمريكي في القضاء على «داعش»، ويقلب قواعد اللعبة، إذا أوجد لروسيا تواجداً إقليمياً مؤثراً في المنطقة كلها.

لكن يقابل ذلك بالنسبة لروسيا، أن حدود سوريا وتركيا، بعيدة جداً عن الأراضي الروسية، وعن وسط أوروبا. وبالتالي فالمخاطر التي تنشأ هناك، ضئيلة بالنسبة لروسيا، كما أن الحدود بين سوريا وتركيا ليست مكاناً يمكن أن يتسبب في إشعال حرب بين روسيا وحلف الأطلسي.
من ثم لا ترغب روسيا في خوض معارك ساخنة، على جبهات متعددة، كذلك تهتم أوروبا الآن بمشاركة روسيا في حل الأزمة في سوريا، وربما في أوكرانيا.

إلى جانب ذلك هناك موانع تدفع الجانبين، إلى تفادي التصعيد. فأمريكا، وأوروبا، لم تعد لديها القدرة على توفير الأمن العالمي. وهي تعاني من مشاكل اقتصادية، تؤثر على إرادتها في خوض حرب عالمية، وعلى سبيل المثال فإن الولايات المتحدة مثقلة بالدين الخارجي، على مستوى لم يحدث لها من قبل، وهو ما دفعها إلى خفض الإنفاق على برامج الخدمات الاجتماعية.
يلحق بهذا كله سؤال افتراضي هو: هل يكون «داعش» سبباً في إشعال فتيل نشوب حرب عالمية ثالثة؟.
والإجابة على السؤال، حسب شروط قيامها، أن الحرب العالمية تقوم بين قوى كبرى في حين يظل «داعش» بمنطق تفكيره وممارساته، نوعاً من عصابات الجريمة المنظمة، الخارجة على القانون، وعلى نظام الدولة، وأنه بعدائه المعلن للبشرية جميعها، سوف يقضي على نفسه بنفسه، فهو لا يفوت يوماً دون أن يستفز شعوب العالم كله ضده، ليلقي به حتماً خارج التاريخ.
إن العالم ليس مثلما كان في السنوات التي اشتعلت فيها الحروب العالمية، فهو عالم قد شيد نظام عمله، فور انتهاء الحرب الباردة، والتغييرات الاقتصادية في القوى الكبرى، على قاعدة المصالح والمنافع، باعتبارها المحرك الأول للسياسة الخارجية، وليس أي شيء آخر.

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى