في تعليق طريف على صفحات شبكة التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، سخرت الشابة نور من الصعود الصاروخي للأسعار في سوريا، بتسجيل الملاحظة بأن «لطش التركس» هو الوحيد الذي حافظ على سعره حتى الآن.
و«لطش التركس» تعداد نقاط للعبة ورق دارجة في المقاهي والبيوت في سوريا، التي تكافح يومياً للحفاظ على توازنها، مع تعالي أمواج التضخم التدريجي، والمستمر.
ورغم أن التعليق، كان مثار تندّر منذ أكثر من عامين، إلا أن الحال على ما هو عليه. يكاد لا يثبت رقم أو تسعيرة منتج يخضع من قريب أو بعيد لتقلبات الدولار، والتي هي تقلبات صاعدة عموماً.
ويرى كثر من المختصين في الشؤون الاقتصادية أن الارتفاع الجنوني في التسعير، يحلّق بجناحين، أحدهما قد يكون حكومياً، والثاني مرتبط بجشع التجار. مثالان سريعان، الأول بلوغ سعر كيلو الخيار البلدي هذا الصيف 225 ليرة سورية (نصف دولار تقريباً وفق سعر الصرف الراهن)، والثاني لزيت الزيتون الذي بلغ سعر العشرين ليتر منه هذا الموسم 16 ألف ليرة، بعد أن كان الموسم الماضي 13 ألف ليرة.
والمحصولان محليان بامتياز، ويتم تحصيلهما من مناطق سيطرة الدولة (قسم كبير من أشجار الزيتون موجود في مناطق إدلب التي إما تشهد معارك أو تخضع لسيطرة فصائل إسلامية مختلفة، ولكن الكميات الموجودة في مناطق سيطرة الدولة لازالت تكفي الحاجات المحلية). لذلك يرى مراقبون أن ارتفاعها غير مبرّر، في ما يتعلق بعوامل العملية الإنتاجية، التي يتهم التجار بأنهم يسيرونها وفقاً لحسابات الربح والخسارة التي تعنيهم، علماً أن المدافع عن صعود الأسعار يستشهد، هو الآخر، بغلاء وقود النقل، والقدرة على التخزين وأيضاً في ما يتعلق بالكهرباء اللازمة لتشغيل المعاصر، وغلاء اليد العاملة، وأيضاً الوضع الأمني.
من ناحية أخرى، وفقاً للمكتب المركزي للإحصاء، وهو مؤسسة حكومية تابعة لمجلس الوزراء، يرتفع معدل التضخم في سوريا شهرياً بمعدل 0.014 في المئة، وفعلاً ارتفع مؤخراً بمعدل 40 في المئة بالمقارنة مع العام الماضي.
لكن التضخّم، الذي يأتي بأثر سلبي حادّ على المواطن، يعتقد بعض المحللين الاقتصاديين أنه قد يكون مفيداً للحكومة، أو ربما مستحبّاً. ويستشهد الصحافي الاقتصادي عامر شهدا بالقول إن رواتب موظفي القطاع العام كانت تعادل بالقيمة منذ خمس سنوات خمسين مليار ليرة (حوالي مليار دولار بحسبة تلك الأيام)، وهي تعادل الآن 130 مليون دولار، أي بفارق 870 مليون دولار يعتبرها «وفراً على الخزينة كقطع». ويرى كثر أن الحكومة «تستثمر» في فروق السعر العام للدولار لتأمين موارد كافية لتسديد كتلة الرواتب التي لا زالت تأتي في موعدها نهاية كل شهر.
ويرى شهدا أنه بالرغم من التسليم «بموضوع تراجع الموارد، إلا أن هذا التراجع قابله انخفاض بالنفقات يفوق كثيراً نسبة التراجع، ما يعني أن هناك سرقة كبيرة تحدث من خلال تأمين الموارد والربح الفاحش. وإلا فليتفضل رئيس الوزراء بتفنيد هذا الفارق للشعب، إلا إذا كان الشعب لا يعنيه ذلك بنظر الحكومة».
ويوافق على الكلام السابق المعلق الاقتصادي في صحيفة «الوطن» السورية علي الأغا. ووفقاً لدراسة أعدّها الأغا حول الموازنة العامة للدولة التي أقرت للعام المقبل، فإن الحكومة تتعمّد «تضخيم أرقام إيرادات الموازنة، بحيث يتم تقليص العجز فيها، ولكن على حساب المواطن، إذ يتمّ تحميله جزءاً لا يستهان فيه من أعباء تخفيض قيمة الليرة عبر فروق أسعار المواد المدعومة (وخاصة المشتقات النفطية) برفع أسعارها قياساً إلى تكلفتها الحقيقية»، وذلك من دون أن يترافق السابق مع «تصحيح لسياسات تقييم قوة العمل وسياسات الأجور والرواتب، ما يؤدي إلى ازدياد مستويات الفقر وازدياد مستوى العجز في الدخل الحقيقي للمواطن». وانخفضت القيمة الشرائية للمواطن السوري بما يعادل 85 في المئة عنها في العام 2010.
ووفقاً لدراسة مشابهة (كانت الليرة تعادل 2.127 سنتاً في بداية الأزمة، وانخفضت على مدى خمس سنوات لنحو 0.317 سنتاً)، وهو ما يضع المواطنين من الشريحة الوسطى والدنيا في مواجهة مباشرة مع الفقر، والفقر هنا بمستواه المُحرِج، حيث لا تستطيع الغالبية العظمى من السوريين تأمين المبلغ الشهري اللازم لتأمين حياة متوسطة المستوى.
وتتفق أرقام «جمعية حماية المستهلك» السورية مع الدراسات الحالية بأن حاجة الأسرة المتوسطة تعادل 100 ألف ليرة شهرياً لتأمين حاجياتها الضرورية. ووفقاً للبحث السابق «يكون خط الفقر العالمي في البلد 655.5 ليرة سورية للفرد في اليوم، أي أن الأسرة السورية المكوّنة من خمسة أفراد تحتاج 3277.5 ليرة سورية كدخل يومي، ما يعني أنها بحاجة شهرياً إلى ما لا يقل عن 98325 ليرة سورية كي تكون على خط الفقر».
إلا أن هذا لا يبدو ممكناً، ولا سيما وفقاً لتوقعات الاقتصاديين والأرقام التي تقترحها الموازنة العامة للدولة، حيث أعلنت الحكومة عن تخصيص مبلغ 1035 مليار ليرة للدعم الاجتماعي الإجمالي. وحصة المواطن السوري الواحد من هذا الدعم تبلغ 146 ليرة في اليوم، أي 4388 ليرة في الشهر و52650 في العام، وذلك على اعتبار أن عدد السوريين اليوم نحو 20 مليون نسمة.
ومن غير المتوقّع تحسّن قريب لهذا الواقع، إذ تتطلّب «إعادة شباب الليرة»، وهو أمر لن يجري بعيداً عن الحرب الدائرة التي لا تجد لنفسها مستقراً، كما أنه لم يسبق في التجارب المعروفة في الإقليم المليء بالفوضى أن حصل انقلاب عكسي إيجابي بهذا الشكل.
34 3 دقائق