نون والقلم

الإمارات.. دولة الإنجازات

لا يقاس عمر الدول بالسنين، بل يقاس بما تحققه من إنجازات. دول كثير قد يمتد عمرها مئات السنين، ولكن ليس لها ذكر بين الدول، وكم من دول وإمبراطوريات لم يعد لها وجود.

الدول قد تصنف وفقاً لمعايير كثيرة، مثل القوة، والمساحة والسكان. لكن المعايير التي تقاس على أساسها الدول اليوم كثيرة، أهمها معيار الحكم وإرشادته، والإنسانية، والسعادة والرفاهية، والتنمية المستدامة، والقوة الناعمة والذكية. ومن المعايير المهمة أيضاً، معيار الحيوية والفعالية السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني. ولعل من أهم هذه المعايير معيار الحقوق والحريات ودرجة المشاركة السياسية المتاحة أمام المواطن العادي، ومكانة المرأة والدور الذي تلعبه في الحياة العامة.
في كل هذه المجالات حققت دولة الإمارات إنجازات وضعتها في مصاف الدول المتقدمة، وأكثر الدول تواجداً على مستوى السياسة الإقليمية والدولية.
أربعة وأربعون عاماً هو عمر الدولة منذ أن وضع مداميكها الأولى مؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وإخوانه حكام الإمارات المؤسسين. وكانت البداية المؤسسة الإندماج الذي جمع الإمارات السبع في إطار توحيدي وكيان واحد حمل اسم دولة الإمارات العربية المتحدة. وهو النموذج الوحدوي الذي ما زال قائماً بقوة، ويقدم نموذجاً يقتدى في إطار العمل العربي المشترك. ولعل ما ميز الخطورة التأسيسية الأولى هي الرؤية الاستشرافية المستقبلية، رؤية اتسمت بالشمول والوضوح في الهدف، والواقعية في الوسائل والركائز. وكانت الركيزة الأساس التي قامت عليها الدولة هي الإنسان، فالإنسان هو من يبني، ومن يعمر، ويقود، وينتج، ويبدع، وهذا فعلاً ما تحقق اليوم مقارنة بالسنوات الأولى من عمر الدولة.
وكان دور القيادة السياسية، وما زال، هو توفير البيئة الحاضنة والداعمة لتطوير القدرات الإنسانية، فكان الاهتمام أولاً بتقديم الحكم النموذجي وهو أساس الإبداع الإنساني في كل دول العالم، وتحويل الحكم إلى أداة للحث على ألإبداع، والإنتاج، فقامت هذه القيادة بالتفاعل والتواصل اليومي مع شعبها، ووفرت له المؤسسات العلمية، والجامعية والبحثية والرعاية الصحية والمجتمعية كافة. لم توفر البناء فقط، بل وفرت الآليات والوسائل والتفاعل مع التطورات العلمية الخارجية، من خلال التفاعل والمشاركة والتعلم، والتعرف إلى ما وصل إليه العقل البشري في كل الحضارات والثقافات.
وفي هذا نجحت الدولة في تقديم نموذج للحكم الفريد في رشادته وديمقراطيته، فهي لم تستورد حكماً خارجياً. فالحكم الرشيد يقوم على الأصالة والتفهم العميق للبيئة البشرية، والعادات والتقاليد والمرجعية الدينية الحافظة والناظمة للسلوك. مفهوم للحكم يقوم على التواصل والاستمرارية والانفتاح على أحدث ما وصلت تجارب الحكم الأخرى.
هذا النجاح في تقديم نموذج الحكم الرشيد هو الذي يقف وراء هذه الإنجازات التي حققتها الدولة عبر هذه السنين القصيرة من عمرها، فأساس الحكم هو الجمع بين معادلتي الحاكم المسؤول، والمواطن المشارك في الحكم والمسؤولية، هذا النموذج بدأ يعبر عن نفسه في الكثير من المظاهر، باتساع دائرة المشاركة التي يساهم فيها المواطن بشغل الوظيفة العامة، وفي صنع القرار والسياسة العامة، وفي تقلد المناصب السياسية العليا.
وكان للمرأة النصيب الوافر من الاهتمام بدورها التنموي والسياسي، ومن هنا كان الاهتمام بتعليمها حتى وصلت إلى الدرجة التي باتت معها قادرة على المشاركة، ليتجسد ذلك في رئاسة السلطة التشريعية بشخص الدكتورة أمل القبيسي، وهو اعتراف وإقرار بهذا الدور. هذا النموذج تقف وراءه رؤية سياسية شاملة استمدها قادة الدولة اليوم من رؤية المؤسسين.
ولم تقف حدود هذه الرؤية في الحكم على ذلك، بل أدركت الدولة منذ البداية أهمية أن يكون لها دور وفعالية وحيوية في السياسة الإقليمية والعالمية، وكان منهاجها واضحاً في الاعتماد على البعد الإنساني والتنموي في المجالات كافة، فكان دورها فاعلاً في كل المنظمات الدولية والإقليمية، إذ نأت بنفسها عن سياسات المحاور والاستقطاب، وتبنت سياسة خاصة بها عكست روح الاتحاد وأهدافه الإنسانية. ولذلك نجد الخريطة الإنسانية للدولة تشمل كل الحدود الكونية، ما حول معها دولة الإمارات إلى دولة كبرى في السياسات التي تقوم على مفهوم الإنسانية الواحدة التي لا تفرق بين جنس وآخر.
وأنا هنا في فلسطين، وفي غزة تحديداً، ألمس هذه الإنسانية في العديد من المشاريع الجماعية والفردية وفي بناء الأسرة الفلسطينية من خلال المساهمة في مشروع الزواج. وتحقيقاً لهذا الهدف السامي أسست دولة الإمارات العديد من المؤسسات الإنسانية، كمؤسسة خليفة ومؤسسة محمد بن راشد وغيرهما كثير.. وما يميز الرؤية السياسية لحكام الإمارات أنه مفهوم الإنجاز الذي ليس له حدود، كما الإبداع ليس له حدود. وهذه أهم ملامح السياسة التنموية التي تتبناها الدولة، فهي تدرك وتؤمن بأن أساس معيار التصنيف بين الدول هو التنمية، والأخذ بالعلم وأسبابه، وسب رغور المستقبل، وهذه هي الثروة الدائمة للدولة. الثروة ليست مالاً، بل هي الإنسان وما ينجز في الداخل وما يساهم في رفع اسم الإمارات في الخارج.
هذه الإنسانية تتمثل في أعلى درجاتها من خلال التضحيات التي بذلها شباب الإمارات الذين استشهدوا على أرض اليمن العربية، وهذا جانب مهم من حيوية وفعالية الدولة وإنسانيتها ودفاعها عن قضايا أمتها العربية والخليجية.
مفاهيم جديد تكرسها دولة الإمارات بعد أربعة وأربعين عاماً من عمرها، وما زالت تتطلع إلى المزيد من الإنجازات بتحويل كل عناصر القوة لديها لبناء النموذج الإنساني في الداخل والخارج.

 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى