اكتشف فرنسوا هولاند ورجب طيب أردوغان هذا الأسبوع أن الرهان على إدارة باراك أوباما يشبه الرهان على طواحين الهواء. هولاند ذهب إلى البيت الأبيض يبحث عن دعم أوباما في مواجهة تنظيم «داعش» بعد هجمات باريس، وعاد بخفّي حنين. أما أردوغان، فوجد نفسه وحيداً في وجه فلاديمير بوتين بعد إسقاط مقاتلة تركية طائرةَ «سوخوي» روسية، وفيما كان ينتظر دعماً أطلسياً، وأميركياً خصوصاً، لموقف بلاده، اضطر للتراجع والبحث عن أعذار تخفيفية، مثل القول أن الأتراك لم يعرفوا أن الطائرة روسية، وإلا لكانوا تصرفوا بطريقة مختلفة!
قيادة العالم الغربي في أزمة، تسمح لفلاديمير بوتين أن يستفيد من الفراغ. وما حصل في أوكرانيا، على أطراف القارة الأوروبية التي لم تستطع أن تفعل شيئاً في مواجهة التدخلات الروسية، وما يحصل في تركيا الآن، وهي عضو في «الناتو»، دليلان على قدرة موسكو على إضعاف القدرة الغربية على الرد، في ظل تراجع أميركي شبه كامل عن لعب أي دور.
لم ينجح فرنسوا هولاند في محاولة إقناع أوباما بدعم أقوى في الحرب على «داعش»، بعد الزيارة التي قام بها إلى واشنطن لاستقطاب أكبر عدد من الحلفاء في الحملة الدولية ضد التنظيم الإرهابي. كل ما حصل عليه الرئيس الفرنسي هو عبارات من الغزل بالعاصمة الفرنسية والذكريات الجميلة التي يحفظها أوباما وزوجته من زياراتهما إياها، وعرض مزيد من التعاون الأميركي في مجال الاستخبارات، وتشديد من أوباما على «ضرورة القضاء على داعش»، من دون أي التزام فعلي على الأرض أو حتى في الجو.
وعلى رغم هذا الشلل وغياب أي خطة عملية للقضاء على «داعش»، لم يجد أوباما أي حرج في أن يعلن أن لدى إدارته «الاستراتيجية الصحيحة للمواجهة وسنسير بها إلى النهاية».
الاستراتيجية الوحيدة في سورية هي تلك التي ينفذها بوتين دعماً لنظام بشار الأسد. الرئيس الروسي استغل إسقاط الطائرة الروسية ليتهم تركيا بدعم «داعش»، وليشكك في صحة ما قاله أردوغان من أن تركيا لم تكن تعرف هوية الطائرة. وخلال لقائه مع هولاند في الكرملين، أكد بوتين أن «جيش الرئيس الأسد والأسد شخصياً حليفانا الطبيعيان في الحرب على الإرهاب»، فيما كان الرئيس الفرنسي يقف مذهولاً من هذه الصراحة، بل الوقاحة، خصوصاً أن بوتين يعرف موقف فرنسا من نظام الأسد الذي كرره الرئيس الفرنسي أمام مضيفه بالقول أن على الأسد أن يرحل «في إطار عملية انتقال سياسي».
ليس هولاند الحليف الوحيد الذي يشعر بأنه متروك في المواجهة مع «داعش». لا شك في أن الرئيس التركي أردوغان لديه الشعور نفسه، بعد الحملة الروسية الأخيرة على بلاده بسبب أزمة الطائرة. فمن حيث المبدأ كان يفترض أن يتم التعامل مع خرق الأجواء التركية كأنه اعتداء على الحلف الأطلسي مجتمعاً، غير أنه تبين أن الاعتماد على الإدارة الأميركية الحالية هو مجرد وهم طالما أن باراك أوباما هو صاحب القرار الأخير.
وهكذا فيما تعزز روسيا حضورها الجوي والبحري في أجواء سورية وقرب شواطئها، وتقول أنه رد على إسقاط طائرتها الحربية، تبدو الولايات المتحدة الغائب الأكبر عن الساحة، بل إن طلعات الطائرات الأميركية تراجعت مُذ بدأت الطائرات الروسية تحلق في أجواء سورية، وذلك بحجة تجنب الاصطدام.
لا شك في أن الهم الأمني هو الذي يطغى الآن على الحماسة الأوروبية، الفرنسية والبريطانية خصوصاً، للتشدد في الحرب على «داعش». غير أن بوتين يجد ذلك فرصة للاستغلال، فيحاول مقايضة المساعدة الروسية ضد التنظيم باستمالة الأوروبيين إلى جانب موقفه من دعم نظام الأسد. من هنا، باتت الأصوات الأوروبية أكثر ارتفاعاً في الدعوة إلى جعل الحرب على «داعش» أولوية تسبق هدف إسقاط نظام الأسد.