من الخصال التي ينبغي أن يتحلى فيه الإنسان المسلم هي أن يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه، ويكره له ما يكره لها، ويحرص على أداء حقوقه، والنظر في شؤونه، وان يمنع عنه الأذى وقد عُدَّ ذلك من لوازم الإيمان وباب لدخول الجنان، ونيل رضا الرحمن، قال رسول الله: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ »، وقال: «مَنْ لَمْ يَهْتَمَّ بِالْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ»، هذا نموذج من الأدبيات التي حرص الإسلام على تربية الإنسان عليها وترسيخها وتعميقها من اجل بناء مجتمع تسوده ثقافة التواصل والتراحم والتوادد والتعاون والإيثار والعدالة…
لقد خط الحسين بنهضته الخالدة أروع صور الإيثار والتضحية من اجل الآخرين فهو لم يكن يحب لغيره ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لها فحسب، بل انه تحمل الأذى من اجل الآخرين، وضحى بنفسه وأهل بيته وأخوته وأصحابه من اجل الإنسانية وتحقيق العدالة ونصرة المظلومين، قال عليه السلام “ألّلهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام، ولكن لنري المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك..”
فكانت ملحمة كربلاء وما جرى على عياله من أسْر وسَبي، اللوحة الأروع التي ضمَّت أسمى صور ومعاني ومصاديق الإيثار والتضحية، والرسالة البليغة التي بعثها للأجيال، والجامعة التي تتعلم منها أنبل القيم والمعاني والمواقف، وهذا ما أراده (عليه السلام) من ثورته، فإحياء ذكره وإقامة شعائره لا يكون إلا بالسير على نهجه والإقتداء بسيرته الوضاءة، وتحقيق الأهداف التي خرج وضحى من اجلها، فهل يا ترى قد سارت الملايين الزاحفة إلى كربلاء على نهج الحسين في الإصلاح ورفض الفساد والمفسدين، ونصرة المظلومين، ومواساة المهجرين والمحرومين ؟!،
هل أن ثقافة “حب لأخيك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها” قد جسَّدوها في سلوكياتهم ومواقفهم وتعاملاتهم مثل ما جسَّدها الحسين؟ ،وهل تحملوا الأذى عن الآخرين مثل ما تحمله الحسين؟، وهل ضحوا من اجل الآخرين مثل ما ضحى الحسين؟، أكثر من ثلاثة ملايين مهجر ونازح يعيشون تحت لهيب حر الصيف وزمهرير الشتاء، وآلام وذل النزوح والتهجير، فهل فكر السائرون إلى كربلاء بمعاناتهم وشاركوهم آلامهم وقدموا لهم العون، ونفس الكلام بخصوص ملايين من الفقراء والمحرومين والجياع والمعذبين والمعتقلين، هل أن خروجهم بهذا الزحف المليوني من اجل النازحين والمهجرين والفقراء والمحرومين والمعتقلين؟؟؟.
هذه التساؤلات وغيرها تضمنها بيان المرجع العراقي الصرخي الذي وجهه للسائرين إلى كربلاء، حمل عنوان:” ثورة الحسين …من أجل الأرامل واليتامى والفقراء والنازحين والمهجرين …“، تساؤلات طرحها من اجل إبراز الصورة المثلى لكيفية إقامة الشعائر الحسينية وربط الزائرين بجوهر النهضة الحسينية وأهدافها، وفي الوقت ذاته وضع السائرين إلى كربلاء في ميزان التقييم الحسيني، فكان مما جاء في البيان:
(ـ فهل خرجتم من اجل اصلاح حال اخوانكم واهليكم النازحين والمهجّرين وهل خرجتم من اجل اصلاح أحوال اهليكم من الارامل واليتامى الذين فقدوا الآباء والازواج والأبناء على يد الإرهاب التكفيري المليشياوي ،
ـ وهل خرجتم من أجل اخوانكم واهليكم ممن فاضت عليهم المياه وطفحت عليهم مياه النجاسات ، أو من اجل اصلاح حال اخوانكم وعوائلكم الذين جرفت مياه السيول والامطار بيوتهم وأراضيهم وزرعهم وانعامهم ،
ـ فاذا لم تكونوا خرجتم من أجل ذلك فاعلموا اذن انكم تخرجون على نهج يزيد في الفساد والإفساد والخضوع والخنوع والذل والهوان … )